بنیاد ایران شناسی-موسسة الدراسات الایرانیة

الأدب والآداب

بقلم: فائزة عقیق

الأدب فی الأصل بمعنى الرسم والتقلید والمعتقد ثم صار یطلق على الرسوم والتقالید الحسنة. وفی الوقت الحاضر یستفاد من مفردة الأدب إلى حدّ ما مفهوم الثقافة فی إیران ما قبل الإسلام. المراد من هذا المعنى من الأدب المنهج الحسن والتربیة الحسنة والطرافة وحسن المحضر. وقد منح هذا المعنى لكلمة الأدب بعد التقاء الإسلام بالحضارات الأخرى مثل الحضارة الإیرانیة. فی ذلك الزمن كان صاحب الأدب تعبیراً یطلق على من یخرج من الخشونة البدویة العربیة ویكتسب عادات وسلوكیات ملطفة لا أثر فیها للعنف والخشونة. حافظت هذه الكلمة على مفهومها الأخلاقی والاجتماعی فی القرون الإسلامیة الأولى، وكانت تشمل أسلوب الحیاة بطریقة مناسبة لائقة. وشیئاً فشیئاً أضیف المعنى الثقافی إلى المعانی الاجتماعیة والأخلاقیة للأدب. فی هذا المفهوم یطلق الأدب على مجموعة الدروس التی تجعل البشر أكثر تحضراً ولطافة، وفروعه وشعبه هی: الشعر واللغة والصرف والنحو والمعانی والبیان والبدیع والعروض والقافیة وقوانین الخط والقراءة، وأضیف إلیها بعد ذلك الإنشاء والتاریخ.

فی زمن بنی أمیة كانت لفظة الأدیب تطلق على من یكون أستاذاً خبیراً فی معرفة الشعر والتاریخ وفصاحة اللغة العربیة. العلاقة مع الثقافات الأخرى أخرجت الأدب عن شكله العربی الوطنی. وفی زمن الدولة العباسیة كانت معرفة الثقافات الإیرانیة والهندیة والیونانیة جزءاً من الأدب.

والحقیقة أنه من القرن الثانی للهجرة فما بعد ظهر تحول فی مفهوم الأدب واستخدم بمفهوم أخلاقی خصوصاً بمفهوم الأخلاق العملیة، وأضیفت إلیه تدریجیاً مفاهیم السلوك الاجتماعی والفردی والعلم والثقافة فی الشؤون المختلفة والعلم باللغة والخطابة والخبرة بالشعر. طبقاً لبعض المصادر فإن الخبرة والمعرفة بالشعر صفة مؤكدة فی مفهوم الأدب، ومعرفة فروع الأدب الأخرى ضروریة لفهم ومعرفة الشعر.

خلال حقبة معینة كانت الآداب تستخدم فی الشؤون الدیوانیة، وكان عمّال الدواوین ینسبون أنفسهم إلى الأدب ویعتبرونه ضروریاً لتقدمهم فی مهنهم ومهامهم. منذ ذلك العصر فقد الأدب مفهومه القدیم الذی كان عبارة عن مجموعة من المعارف الإنسانیة، وتقلص إلى دائرة الشعر والنثر المصنع والتمثیل وما شاكل. ومنذ العهد المغولی فیما بعد اتخذت هذه المسیرة الهابطة فی الأدب فی إیران شكلاً أوضح فتغلب اللفظ على المعنى. وفی العصور المتأخرة تحوّلت كلمة أدب إلى «أدبیة» وظهرت بألف وتاء الجمع على شكل أدبیات.

طرح الخبراء والمتخصصون آراء مختلفة حول تعریف الأدبیات (الآداب) وعرّفها كل واحد منهم من زاویة نظره. والواقع أن الأدبیات عبارة عن الذخائر والموروثات الذوقیة والفكریة لأقوام وشعوب العالم التی سعى الناس فی تسجیلها ونقلها ونشرها، واعتبروا تلك الآثار جدیرة بالسعی والجهد والتعب. وعلى حد قول الدكتور زرین كوب: «بقی هذا التراث عن الماضین، وسیضیف إلیه الآتون دائماً، وهو بالضرورة لیس من سنخ ونوع واحد».

تعد الآداب الركن الأهم والأرأس للفن والتی تترك تأثیراتها على سائر حقول الفن. أحیاناً تمتزج الآداب بالتاریخ، لكنها لا تنفصل عن الحضارة، ویمكن مشاهدة تأثیر الحضارة والثقافة فی الآثار الأدبیة لكل قوم بكل وضوح. ومما یعضّد هذا القول انعكاس أحوال وسلوك وأعراف وتقالید وسنن أی قوم أو طائفة أو شعب فی آداب ذلك الشعب. وربما كان من أجمع التعاریف أن نقول إن مجموعة الآثار الفنیة لكل قوم والتی تظهر فی قالب الكلام هی آداب أولئك القوم أو الشعب. یستنتج من هذا التعریف أن آداب أی قوم مرتبطة بالضرورة بلحمة ماضی أولئك القوم وحاضرهم. ولهذا السبب یمكن مشاهدة أفكارهم وعقائدهم وثقافتهم فی آدابهم.

تدّعی الآداب شأنها شأن الدین إصلاح المجتمع ونشر الأخلاق، ولكن عن وعی. كلمة الأدب تنمّ عن ارتباط وثیق للآداب بالتحضر والثقافة وتقدم الإنسان الاجتماعی. ونظیر نفس هذا المفهوم تستمده الثقافة الغربیة من الآداب. ما یسمّى فی العرف الغربی معارف إنسانیة أو علوماً إنسانیة هو سلسلة معارف ترشد الإنسان - كما هو الأدب الإیرانی - نحو حیاة أفضل وأكثر إنسانیة.

یرى الشاعر الإیرانی المعروف نظامی عروضی أن كل الصفات الإنسانیة الحسنة ضروریة للشاعر والكاتب: «سلیم الفطرة، عظیم الفكرة، صحیح الطبع، ... كریم الأصل، شریف العرض، ... »، ویعتقد أن فائدة الشعر هی أنه یسبب الأمور العظام فی نظام العالم (نظامی عروضی، المقالات الأربع، 1375 هـ ش، 1996 م، ص 47). والواقع أن نظامی عروضی یعتبر الآداب محرّك الروح الذی یدفعها نحو التقدم والخیر. الآداب تفضی إلى التفاهم والتضامن بین أفراد البشر. الأدب العامی عند الناس العادیین والأدب المتكامل عند الطبقة المتعلمة یؤدّیان إلى إقامة أواصر معنویة. بالإضافة إلى ذلك فالآداب عامل ربط واتصال بین معتقدات البشر ومعارفهم ومعلوماتهم، فحتى العلوم والفلسفة والتاریخ استطاعت عن طریق الآداب أو بشكل ممتزج بالآداب أن تجد طریقها إلى أذهان الأفراد غیر المتخصصین وأن تنتشر فی العالم.

والأهم من كل شیء هو أن الآداب باعتبارها أحد أنواع الفن كان خزانة حفظ القیم. على مدى آلاف السنین تم نقل ما یمكن بقاؤه وتسجیله من معارف البشریة عن طریق الآداب والفن، إلى درجة یمكن معها القول إن الآداب والفنون هما ما یمیز الإنسان عن غیره من الموجودات.

الآداب الفارسیة من أهم الحلقات فی سلسلة الآثار الأدبیة العالمیة وجوهرة أصیلة للتحضر والثقافة فی عالم الشرق والعالم الإسلامی. إنها فی الأساس ثمرة عملیة عظیمة هائلة من المبادلات الثقافیة والالتقاءات وحالات التأثر المتبادل التی تفاعلت طوال قرون من الزمان. حتى أن الكثیر من المثقفین فی العالم یعرفون الإیرانیین من خلال أعمالهم الأدبیة الشهیرة. للآداب الفارسیة صلات وطیدة بالبحوث والدراسات الإیرانیة، وتعد من شعب الدراسات الإیرانیة. وكما قیل فإن دراسة آداب شعب من الشعوب توفر للدارس معلومات جمّة حول ثقافة ذلك الشعب وتاریخه وحضارته. من دون دراسة الآداب الفارسیة فی إیران ستبقى الدراسات الإیرانیة ناقصة وتفتقر للانسجام الكافی. یعتزم فریق عمل «اللغة والآداب الفارسیة» العكوف على الدراسة والبحث فی هذا المجال فی ضوء أهداف وسیاسات الإدارة الجدیدة لمؤسسة الدراسات الإیرانیة. ومن محاور البحوث فی هذا القسم یمكن الإشارة إلى:

ــ دراسة الآداب العامیة فی إیران.

ــ الآداب المقارنة ودراسة تأثیر الآداب الفارسیة على آداب سائر البلدان وبالعكس.

ــ دراسة كتب المواعظ والبحوث الأخلاقیة فی الآداب الفارسیة.

ــ صورة المجتمع والثقافة الإیرانیة فی نصوص الآداب الفارسیة.

ــ الأعراف والتقالید (الزواج، الأزیاء، الأطعمة، الحروب، الموت، و... ).

ــ التربیة والتعلیم بین طبقات الناس المختلفة.

ــ الأخلاق الاجتماعیة.

ــ القوانین الاجتماعیة.

ــ المعتقدات والأدیان المختلفة.

ــ الخرافات والمعتقدات.

ــ أدب الأطفال والناشئة.

المصادر:

ــ نظامی عروضی سمرقندی، المقالات الأربع، تصحیح العلامة محمد قزوینی، بتصحیح ثان للدكتور محمد معین، طهران، جامی، 1375 هـ ش، 1996 م.

ــ زرین كوب، عبد الحسین، النقد الأدبی، مجلدان، طهران، أمیر كبیر، 1354 هـ ش، 1975 م، الطبعة الثانیة.

ــ فرشیدورد، خسرو، حول الآداب والنقد الأدبی، مجلدان، طهران، أمیر كبیر، 1363 هـ ش، 1984 م، الطبعة الأولى.

ــ حقوقی، محمد، مراجعة لتاریخ الأدب والآداب المعاصرة فی إیران، طهران، نشر قطرة، 1378 هـ ش، 1999 م.

ــ إسلامی ندوشن، محمد علی، جام جهان بین، طهران، دار جامی، 1374 هـ ش، 1995 م، الطبعة السادسة.

ــ دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى، مركز دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى، بإشراف كاظم موسوی بجنوردی، طهران، مؤسسة حیان الثقافیة للنشر، 1375 هـ ش، 1996 م، الطبعة الأولى.

جميع الحقوق محفوظة لموقع مؤسسة الدراسات الإيرانية 2016 م

العنوان: طهران، شارع الشيخ البهائي (الجنوبي)، شارع إيران شناسي، مدينة والفجر )

التصميم والتنفيذ: دائرة الحاسبات و تقنية المعلومات