بنیاد ایران شناسی-موسسة الدراسات الایرانیة

علم الاستشراق وتاریخ إیران

بقلم: حمید رضا آریان فر

الاستشراق والبحوث حول تاریخ إیران

القسم الأول: تطورات الاستشراق

الاستشراق بشكل عام وعلم الإیرانیات على وجه الخصوص مجموعة من العلوم تتأتى عبر دراسات وبحوث باحث یسمى مستشرقاً أو عالماً بالإیرانیات. حیث أن هذا المصطلح له معنى واسع وعام ولا یمكن رسم تعریف جامع مانع له، لذلك لا یزال المجال مفتوحاً لتعریف هذه المصطلح.

تعود سوابق معرفة الأوربیین بالشرق الأدنى إلى الحروب الصلیبیة فی القرنین الثانی عشر والثالث عشر للمیلاد وما بعد ذلك، بید أن علم الاستشراق لم یبدأ إلّا قبل حوالی قرنین من الزمان. والیوم وبعد نحو قرنین من الدراسات فی مختلف مجالات الاستشراق وفی إطار الدراسات الإیرانیة التی أنجزها مستشرقون أوربیون وظهور مئات الدراسات والبحوث فی مختلف موضوعات الشرق وإیران، لا یزال هذا السؤال الأساسی بخصوص إیران ماثلاً وهو : لماذا ینبغی أن نعاود الخوض فی الدراسات الإیرانیة ومعرفة إیران؟ الإجابة الإجمالیة عن هذا السؤال هی أن ما ظهر ونشر لحد الآن فی هذا المضمار لم یكن منتظماً بنظام واضح متجانس. من الضروری التنبه إلى نقطة فحواها أن هذا العلم له منبت وتطورات معینة وظهرت فیه على مدى عدة قرون مدارس متنوعة متعددة لا بد من دراستها ومعرفتها من أجل الخوض فی هذا العلم، كما لا بد من مواصلتها بأسالیب ومناهج جدیدة بنظرة من الداخل وبمعرفة إیران على نحو كامل بعیداً عن الأعمال المشتتة، وبذلك سیمكن إنجاز بحوث دقیقة وصحیحة. فی هذه الدراسة نحاول - فی ضوء تنوع الموضوعات والأسالیب والأدوات والمناهج - تمحیص ملامح الاستشراق الغربی ومراجعة دراساته التاریخیة المختصة بإیران فی ضوء مصالح الغربیین فی بلاد الشرق.

تكتسب هذه الخطوة أهمیتها من حیث أن قیام الثورة الإسلامیة فی إیران وما تبعها من أحداث جعل العلاقات العلمیة والجامعیة بین مراكز الدراسات الإیرانیة فی أوربا وبین مؤسسات داخل البلاد تنحسر بمقدار معین. بضمور مراكز الدراسات الإیرانیة فی خارج إیران - والتی تمثل جانباً من الدراسات الإیرانیة العلمیة - وتعطیل الكثیر منها بسبب قلة المیزانیات والدعم، وإلى جانب ذلك عدم معرفة الراغبین فی الدراسات الإیرانیة بإیران واللغة الفارسیة، حصل نوع من الانقطاع فی الدراسات التاریخیة المتعلقة بإیران فی العالم الغربی، وفی الوقت الحاضر قل ما توجد دراسات إیرانیة مستقلة فی جامعة أو مركز بحثی فی أوربا. إننا الیوم أحوج من أی وقت آخر لنقل علوم ومصادر الدراسات الإیرانیة إلى داخل البلاد وتعلیمها للراغبین والمهتمین بالدراسات الإیرانیة. من القضایا المهمة فی الدراسات الإیرانیة وجود عدد كبیر من مصادر الدراسات والوثائق الإیرانیة سواء منها المصادر التاریخیة أو غیر التاریخیة فی خارج البلاد. فمنذ انطلاق الدراسات الشرقیة تزامناً مع الدراسات المیدانیة للأوربیین فی إیران تزایدت هجرة المصادر الداخلیة إلى الخارج مثل الآثار المكتوبة التی تشمل الكتب والوثائق والمصادر الآثاریة، إلى درجة أن القسم الأكبر من مصادر الدراسات الإیرانیة الیوم والعائدة لفترات تاریخیة مختلفة موجودة فی خارج البلاد. لذلك فإن الاتصال بتلك المراكز والمصادر الدراسیة والانتهال منها تزامناً مع نقل علم الاستشراق الممتد على مدى مائتی سنة، یمكنه أن یكون مفیداً فی تطویر الدراسات الإیرانیة فی الداخل.

فی دراسة تاریخ الاستشراق، تعدّ كیفیة تعرف الأوربیین على بلاد الشرق وتعاملهم معها نقطة بدایة على جانب كبیر من الأهمیة. یخضع الشرق للدراسة فی بدایة الأمر من حیث علاقته بالغرب وتزامناً مع تفوق الغرب على الشرق. ویفد مستشرقون من مختلف البلدان الأوربیة على الشرق مع بدایة نشاطاتهم ذات الأهداف الاقتصادیة والسیاسیة والدینیة المتنوعة. لقد وفد هؤلاء من بلدان أوربیة مختلفة بشكل متزامن ودرسوا اللغة والحضارة والثقافة والتاریخ فی إیران. دراسات الأوربیین فی الشرق كانت عمیقة وجادة إلى درجة ظهور مدارس مختلفة فی الاستشراق مردها إلى الاختلافات الكبیرة فی مناهج الاستشراق والمیادین المتعددة للغات والبلاد وظروف كل واحد من البلدان الأوربیة. والبحث فی كل واحدة من هذه المدارس یتطلب منهجاً خاصاً یتناسب مع تصورات ذلك البلد. فی البدایة كان المستشرق فرداً خبیراً له آراؤه فی واحد أو أكثر من مجالات اللغة والتاریخ والعقائد والثقافة والحضارة الشرقیة. ومن الواضح أن الزاویة التی درس منها الغربیون الشرق، ومن ذلك تاریخ إیران، متأثرة بالأهداف السیاسیة والدینیة والاحتیاجات العلمیة للغرب فی هذه المجالات. فی الفترة الأولى للدراسات الشرقیة كانت الأهداف الاستعماریة والدینیة الغربیة هی الباعث والمحرك والداعم لهذه الدراسات التی كان یقوم بها المستشرقون، فقد كان الاستشراق أداة لاكتساب المعرفة عن الشرق وتحقیق الهیمنة والسیطرة الغربیة على المستعمرات فی الشرق. وبذلك فقد كان المستشرق فی بعض الأحیان مأموراً ومكلفاً ومبعوثاً من بلدان الغرب وعاملاً على تحقیق هذه الأهداف السلطویة المستهدفة للشرق. لقد تكونت الدراسات والبحوث الاستشراقیة للجیل القدیم من المستشرقین، بما فی ذلك المستشرقون المتخصصون فی الإیرانیات، ومنذ بدایات انطلاق الاستشراق، أی من القرنین الثامن عشر والتاسع عشر للمیلاد وإلى بدایات القرن العشرین، تكوّنت فی مثل هذه الأجواء وبتأثیر منها، وانتقلت أفكارهم إلى العصر الحدیث.

منذ بدایة القرن العشرین ظهر تیار فی الاستشراق ونتیجة الحربین العالمیتین واندلاع الثورات الاستقلالیة فی الشرق، ظهر تیار ینقد الآراء السابقة، یسمى بالاستشراق الجدید. فی هذه الفترة تغیرت منهجیة الدراسات الاستشراقیة بتأثیر من الأجواء الجدیدة، وأضحت المناحی الجدیدة والمناهج المتفهمة هی الأساس فی الدراسات الشرقیة، وأعید النظر فی التاریخ والحضارة والثقافة والفرق الإسلامیة وتم البحث فیها ودراستها من جدید. الفارق بین المستشرقین أو علماء الإیرانیات فی الجیل الجدید عن الماضین هو أولاً إنهم لم یعودوا مرتبطین بالدین المسیحی ارتباطاً محضاً، ومن ناحیة ثانیة لم یعودوا غربیین أو أمریكیین بالضرورة. لذلك وفی ضوء العاملین المذكورین شملت دائرة أصحاب الدراسات الإیرانیة مدیات أوسع تمتد من الشرق الأقصى إلى أمریكا الشمالیة. وكان لهذا التیار أو المنهج الجدید فوارقه من حیث الأهداف والمناحی عن التیارات السابقة. فی الاستشراق الجدید یستفاد حتى من الباحثین الشرقیین وأبناء البلدان الشرقیة لأجل إلغاء النظرة الخارجیة وإلقاء نظرة داخلیة على الموضوعات التی یهتم بها المستشرقون.

و كما مرّت بنا الإشارة فإن الاستشراق منذ بدایته وإلى الآن شهد تطورات متعددة سواء من حیث المفهوم أو من حیث المصداق، وقد طرحت تبعاً لذلك نقود وتصورات حوله، نشیر إلى حالتین منها. فی ضوء الرؤیتین المذكورتین فی موضوع الشرق وإیران تبعاً لذلك، من الضروری عند دراسة وتقییم نتائج الدراسات الاستشراقیة والإیرانیة التی أنجزها الأوربیون وغیرهم، من الضروری الفرز بین التصورات القدیمة والجدیدة، ودراستهما بصورة مستقلة. فی ما یلی وبالنظر للآراء المطروحة من قبل علماء الإیرانیات، ندرس تاریخ إیران - باعتباره جزءاً من الدراسات الإیرانیة - ونسلط الأضواء على البحوث والمصادر المنشورة من قبل علماء الإیرانیات حول هذا الموضوع.

جميع الحقوق محفوظة لموقع مؤسسة الدراسات الإيرانية 2016 م

العنوان: طهران، شارع الشيخ البهائي (الجنوبي)، شارع إيران شناسي، مدينة والفجر )

التصميم والتنفيذ: دائرة الحاسبات و تقنية المعلومات