بنیاد ایران شناسی-موسسة الدراسات الایرانیة

الیوم العالمی لمكافحة التصحّر

تستغرق المیاه معظم مساحة الكرة الأرضیة، بینما لا تشكل الیابسة سوى 29 بالمائة من مساحة هذا الكوكب. تسعون بالمائة من هذه الیابسة یقع فی النصف الشمالی من الكرة الأرضیة، وقد شهدت هذه المناطق فی الأعوام الأخیرة موجة من الحر الشدید تسبب فی مزید من حالات الجفاف. أوربا هی القارة الوحیدة التی تخلو من الصحاری، والبلدان الواقعة فی هذه القارة الخضراء، بالإضافة إلى البلدان المتطورة غالباً فی المناطق الغزیرة الأمطار فی شرق آسیا، كلها بلدان لا تعرف ظاهرة التصحّر. ومع أن هذه البلدان لا تعانی بشكل مباشر من ظاهرة التصحر، لكن الآثار البیئیة والاقتصادیة والاجتماعیة للتصحر لا تقتصر على منطقة معینة من بلد ما أو منطقة محدودة من العالم. لهذه القضیة صلة وثیقة بتخریب المصادر الطبیعیة وتغییر الأقلیم على مستوى العالم وانخفاض الإنتاج الزراعی وعدم كفاءة الاقتصاد القروی فی تأمین معیشة القرویین، وتفاقم حالات الفقر والهجرة الإنسانیة على مستویات أوسع من المنطقة والبلد. ترك التصحر ذو الأسباب الإقلیمیة أو الإنسانیة تأثیرات على الحیاة فی الكرة الأرضیة. ارتفاع درجات حرارة الأرض وانخفاض معدلات الأمطار والاستخدام المنفلت والمتسرّع وغیر المسؤول للبیئة الطبیعیة، وخصوصاً مصادر المیاه، أوجدت ظاهرة التصحر على نطاق واسع. وبمقدار ازدیاد هذه الظاهرة وانتشارها أثرت على البیئة الإقلیمیة والعالمیة. من هنا كانت مواجهة ظاهرة التصحر وتبعاتها تستدعی تعاوناً دولیاً فی ضوء التجارب المتراكمة لمختلف البلدان، وبرامج وخططاً وطنیة وآلیات محلیة لخفض هذا السیاق واحتوائه وإیقاف انتشاره، مضافاً إلى عمران الأراضی الصحراویة.

التصحر إلى جانب تحدیین آخرین هما تغییر الإقلیم وقلة المیاه الحلوة الصالحة للشرب، تعتبر ثلاثة تحدیات مهمة تواجه المجتمع العالمی فی القرن الحادی والعشرین. عقدت منظمة الأمم المتحدة المعاهدة الدولیة لمكافحة التصحر (UNCCD) بهدف استقطاب التعاون والدعم الدولی من أجل عكس ظاهرة التصحر ومكافحتها، والمصادقة على قوانین ملزمة واتفاقیات دولیة وتشجیع الدول والحكومات والشعوب على العمل لتقلیل آثار الجفاف واستئصال الفقر والقیام بنشاطات تنمویة متطابقة مع البیئة (صدیقة للبیئة)، وذلك بتاریخ السابع عشر من حزیران سنة 1994 م. طبقاً لهذه المعاهدة أعلن هذا الیوم (السابع عشر من حزیران) یوماً عالمیاً لمكافحة التصحر. إن تسمیة یوم فی السنة بهذا الاسم ولهذه الظاهرة لهو مناسبة جیدة لتعزیز وتنمیة التعاون لمكافحة ظاهرة التصحر وازدیاد الصحاری، والتأكید على أن تعاون البلدان الأعضاء یمكنه إفراز حل لهذه المشكلة البیئة الخطیرة.

انضم 191 بلداً فی العالم لعضویة المعاهدة الدولیة لمكافحة التصحر. هذه المعاهدة إلى جانب احتواء التصحر تسعى إلى استئصال الفقر والوصول إلى التنمیة المستقرة الثابتة للبلدان التی تعانی من التصحر.

و قد صادق مجلس الشورى الإسلامی فی إیران بتاریخ 9/10/1375 هـ ش (29 كانون الأول 1996 م) على هذه المعاهدة وكانت إیران البلد الثالث الذی یوقّعها وأحد البلدان الـ 191 فی العالم الأعضاء فیها. فی هذا السیاق تم تأسیس «فریق عمل وطنی لمواجهة التصحر» وتدوین خطة وطنیة عملیة لمكافحة التصحر، یصار فیها إلى تشخیص عوامل وأسباب هذه الظاهرة البیئیة وتبیین سبل مكافحتها بالإشارة إلى دور الحكومة والمجتمعات المحلیة فی مكافحة التصحر. یتولى وزیر الجهاد الزراعی (وزیر الزراعة) فی إیران وبحكم وتنصیب من رئیس الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، رئاسة فریق العمل الوطنی لمكافحة التصحر الذی یضم فی عضویته 11 وزیراً وخمس مؤسسات وطنیة وعضواً فی هیئة علمیة بالنیابة عن المجتمع العلمی فی البلاد، وشخصاً بالنیابة عن مؤسسات المجتمع المدنی (المنظمات غیر الحكومیة).

الصحراء:

تعرف الأراضی الصحراویة بأنها تلك التی تشهد قدراً قلیلاً جداً من الأمطار بتوزیع زمنی غیر مناسب، ودرجات حرارة شدیدة، وتبخیر وتعرّق أكبر بكثیر من معدلات الأمطار، وتعانی ظروفاً حیویة صعبة جداً مع فقر شدید أو انعدام للغطاء النباتی والحیوانی. تشهد درجات الحرارة فی هذه المناطق تغیرات كبیرة وشدیدة فی الیوم الواحدة والشهر والفصل والسنة.

التصحر:

التصحر تخریب الأرض فی المناطق المختلفة بظروف حیویة هشة بتأثیر من عوامل إقلیمیة وإنسانیة یمكن أن یتسبب فی زوال الغطاء النباتی وتمدد الصحراء فی مناطق جافة ونصف جافة، مضافاً إلى ظهور ظروف صحراویة فی المناطق نصف المرطوبة. تظهر حالات التصحر بمؤشرات معینة مثل زوال الغطاء النباتی وتعریة التربة بعوامل المیاه والریاح، وازدیاد الملوحة وسائر حالات التخریب الكیمیاویة والفیزیاویة للتربة، مضافاً إلى الآفات الكمیة والكیفیة لمصادر المیاه، والتلوث الكیمیاوی لمصادر المیاه والتربة (الاستخدام غیر الصحیح للأسمدة الكیمیاویة والسموم)، وانخفاض أو فقدان القدرة على الحیاة البیئیة والاقتصادیة للتلك المناطق.

تشكل الصحاری عشرة بالمائة من مساحة الیابسة على الكرة الأرضیة. وتتعرض حوالی ثلثی بلدان العالم لظاهرة التصحر، ویتعرض أكثر من ربع مساحات الیابسة فی العالم للآثار السلبیة للتصحر. وهذه الحالة تعرض التنمیة الوطنیة والعالمیة المستقرة لتحدیات ومخاطر جادة.

تقع إیران على العرض الجغرافی 25 إلى 5/39 درجة شمالیة، وعلى الحزام الجاف للمرتفع الجوی (جنب حاره) فوق مدار رأس السرطان. تخضع هذه المنطقة لتأثیر ضغط المرتفع الجوی، الذی یمتد فی الصیف لخطوط عرض جغرافیة أعلى، وتبلغ تأثیراته إلى السفوح الجنوبیة لسلسلة جبال ألبرز. سیطرة الضغط العالی على الطبقات الجویة العالیة یمنع صعود الهواء المرطوب وتكوین الغیوم فی السواحل الحارة والمرطوبة فی جنوب إیران، مضافاً إلى تشتت الغیوم فی التیارات الهوائیة الداخلة إلى إیران. وجود سلسلة جبال ألبرز وسلسلة جبال زاگروس یؤدی إلى تمزق آثار ضغط المرتفع الجوی. طبعاً، وجود هذه الجبال بتلقی أكبر معدلات الأمطار وانخفاض هطول الأمطار فی الكتل الهوائیة العابرة، یكرس فقر الأمطار فی المناطق الداخلیة والمنحدرات السحیقة. تتراكم رطوبة بحر الخزر (بحر قزوین) فی السفوح الشمالیة لسلسلة جبال ألبرز بعیداً عن تأثیرات ضغط المرتفع الجوی، وتكون النتیجة هطول أمطار فی تلك المناطق وعدم وجود هذه السلسلة الجبلیة كان سیقرب الظروف الإقلیمیة لشمال البلاد من الوضع نصف الصحراوی. بشكل عام تفتقر إیران لمصادر رطوبة ذات أمطار، وفی فصل الأمطار وتراجع ضغط المرتفع الجوی وازدیاد أسباب هطول الأمطار، تعبر كتل هوائیة مرطوبة قلیلة عبر إیران.

تبلغ مساحة الصحاری فی إیران 43 ملیون هكتار، منها 32 ملیون هكتار من الصحاری التی تفتقر للغطاء النباتی. ویعادل هذا المقدار عشرین بالمائة من مساحة البلاد. هذا فی حین تشكل الیابسة فی إیران واحداً بالمائة من مساحة الیابسة فی كل العالم، بینما تشكل صحاری إیران أكثر من إثنین بالمائة من المناطق الصحراویة فی العالم. معدل هطول الأمطار السنوی فی إیران هو نحو 250 ملی متراً فی السنة، وهو ثلث المعدل العالمی لهطول الأمطار. بینما التبخیر فی إیران أكثر من المعدل العالمی بثلاثة أضعاف. معدل هطول الأمطار السنوی فی صحاری إیران أقل من خمسین ملی متراً، ویصل فی أطراف الصحاری - حیث الغطاء النباتی الفقیر - إلى 200 ملی متر. بید أن الجدیر بالاهتمام هو أن أكثر من سبعة ملایین هكتار من أراضی البلاد تواجه أزمة تصحّر ضاغطة. أفاد معاون منظمة الغابات فی إیران سنة 2014 م أن التصحر فی إیران یزداد سنویاً بمقدار مائة ألف هكتار من الأراضی، وتتم مكافحة التصحر سنویاً بنفس هذا المقدار تقریباً. بعبارة أخرى، فإن مقدار التصحر ومقدار مكافحة التصحر فی البلاد متساویان فی إیران.

أسباب التصحر:

السببان المهمان للتصحر هما حالات الجفاف الطویلة الناتجة عن تغیرات إقلیمیة، والاستهلاك المنفلت وغیر المناسب لطاقات البیئة وخیراتها. ویظهر دور هذین العاملین الأساسیین حسب الخصوصیات الجغرافیة للمناطق المعرضة للتصحر بأشكال أخرى منها الحرارة الشدیدة والجفاف، والتعریة المائیة والریاحیة المخربة لطبقات التربة الحیویة، والرعی المنفلت المدمر للغطاء النباتی، وعدم التوازن بین أعداد المواشی والمراتع والغابات، وزراعة المحاصیل بأهداف نفعیة أو شعاریة من دون تقدیر للمستقبل مما یشكل ضغطاً على مصادر المیاه الجوفیة، وقلة الاهتمام بالمشاركة الشعبیة والمحلیة فی عملیة الحفاظ على الغطاء النباتی، وعملیات الری وتصریف المیاه غیر المناسبة مما یؤدی إلى ملوحة الأرض وتعریة التربة، والاستهلاك المنفلت لأخشاب الغابات لأغراض الوقود أو الصناعة، والاستخدام غیر المدروس للأسمدة الكیمیاویة مما یضرّ بالتربة والمیاه، وتبدیل الأراضی الغابیة والزراعیة إلى أراض ذات استخدامات أخرى (سكنیة، وطرق، وأزبال، وصناعة).

تبعات التصحر:

توسع الصحاری سیاق لا یقلل فقط من القدرات الحیویة والبیئیة أو الدورة الطبیعیة لإعادة إنتاج وبقاء المصادر المتجددة فی المناطق المعرضة للتصحر وحسب، بل ویتسبب فی معضلات على الصعد البیئیة والاقتصادیة والاجتماعیة تتجاوز حدود المناطق المعرضة للتصحر، وتؤثر سلبیاً على مستویات إقلیمیة ووطنیة وعالمیة. ومن جملة الآثار التخریبیة للتصحر یمكن الإشارة إلى: إضعاف قاع الأراضی وبالتالی تعریة التربة وحدوث السیول وانخفاض التنوع الحیوی والبیئی، وانقراض أنواع نباتیة وحیوانیة متعددة، وحدوث ترسبات فی السدود، وهجوم كتل وتیارات من الغبار، وانخفاض القدرة على تخزین المیاه فی الأراضی، وخصوصاً فی غابات زاگروس فی إیران، وجفاف المستنقعات وبالنتیجة تقلیل الرطوبة وانخفاض معدلات الأمطار فی تلك الأقالیم، وهجوم الرمال المتحركة وما ینجم عنها من خسائر، والانخفاض الشدید فی مصادر المیاه الجوفیة، وازدیاد ملوحة المیاه الجوفیة، وفقدان مصادر الإنتاج والمعیشة الزراعیة، والبطالة والهجرة من القرى بدون أرصدة معیشیة مناسبة، وبالتالی زیادة سكان الضواحی حول المدن، وخسف الأراضی فی السهول وازدیاد الآفات والأمراض الزراعیة وملوحة الأراضی وقاعدیتها.

أسالیب مكافحة التصحر:

إن الحیلولة دون تخریب مصادر سلامة البیئة وبقائها وإیقاف انتشار الصحاری هو فی الحقیقة بدایة الطریق إلى مكافحة التصحر. كما أن إصلاح وإعادة تأهیل واستقرار البیئة حیال خطر التصحر، خطوات أخرى لمواصلة هذه الاستراتیجیة الوطنیة العامة. وتعد سیاسات ومناهج التنمیة المستقرة المشرف على هذه الاستراتیجیة.

من الأسالیب والخطط المعتمدة فی إیران لإحیاء وتنمیة المصادر الطبیعیة الممكنة التدویر وخصوصاً السیطرة على تمدد الصحاری، یمكن الإشارة إلى استخدام وسائل الإعلام العامة بهدف زیادة الوعی العام تجاه أهمیة المصادر الطبیعیة والأخطار الناجمة عن تمدد الصحاری، والتنمیة الصناعیة الصدیقة للبیئة، وتسریع سیاق التنمیة القرویة فی الاستخدام المستقر لمصادر المیاه والتریة والحفاظ علیها، والحفاظ على البیئة والاهتمام باستقرارها، وإحیاء وتدویر الأراضی المعرضة للتعریة، وتثبیت الرمال وتشجیع المشاركة الشعبیة والمحلیة فی مراحل اتخاذ القرار وتطبیق الخطط ذات العلاقة.

هناك أسالیب وسبل متعددة لمكافحة التصحر تستخدم فی ضوء العوامل والخصائص البیئیة. ونشیر فیما یلی إلى نماذج من هذه الأسالیب:

ــ تنفیذ مشاریع إدارة المیاه وتخزین المیاه لتوجیه المیاه الجاریة نحو خزانات المیاه الجوفیة، مما یزید من مستوى المیاه فی الخزانات الطبیعیة الجوفیة.

ــ زراعة أنواع نباتیة مقاومة للجفاف والملوحة تكون فی الوقت نفسه ذات عائدات ودخول لسكان تلك النواحی.

ــ تثبیت الرمال المتحركة بواسطة غطاء نباتی مقاوم مثل التاغ والاسكنبیل، والآرتیپلكس، والگز شاهی، أو برشّ «المالچ» الذی یصدّ العواصف الرملیة ویمنع الأضرار والخسائر الزراعیة والخسائر التی تتعرض لها الطرق والمؤسسات المختلفة.

ــ إنتاج أنواع من الطاقة جدیدة وزهیدة الثمن من أشعة الشمس والریاح أو أی بدیل آخر یقلل من استهلاك الغطاء النباتی كمصدر للطاقة.

ــ استخدام الأسالیب الجدیدة فی الری وتنمیة البیوت الزجاجیة التی تخفض استهلاك المیاه بشكل ملحوظ.

ــ من خطوات إیران لمكافحة التصحر ترسیب الكاربون. وهذا المشروع من خطط منظمة الأمم المتحدة لزراعة نباتات خاصة بتعاون المجتمعات المحلیة من أجل تقلیل سیاق التصحر وعكسه. السبب فی إطلاق مصطلح ترسیب الكاربون على هذا المشروع هو أن من آثاره الجانبیة محو ثانی أوكسید الكاربون من الجو وترسیبه فی الغطاء النباتی والأشجار. التجربة الناجحة لمشروع ترسیب الكاربون فی خراسان الجنوبیة تعتبر نموذجاً وطنیاً للتنمیة المستقرة. فی سنة 2012 م بدأ مشروع ترسیب الكاربون فی 18 محافظة إیرانیة.

المصادر:

1 - كردوانی، پرویز، المناطق الجافة، المجلد الأول، مؤسسة منشورات جامعة طهران، 1375 هـ ش، 1996 م .

2 - كردوانی، پرویز، مصادر وقضایا المیاه فی إیران، مؤسسة منشورات جامعة طهران، 1374 هـ ش، 1995 م .

3 - قائمی، هوشنگ، أقالیم المناطق الجافة، سمت، 1392 هـ ش، 2013 م .

4 - وكالة إیسنا للأنباء، 1/3/1389 هـ ش، 22 مایو أیار 2010 م ، http://isna.ir .

5 - وكالة إیسنا للأنباء، 3/2/1394 هـ ش، 18 نیسان 2015 م ، http://isna.ir .

6 - وكالة إرنا للأنباء، 27/3/1392 هـ ش، 17 حزیران 2013 م ، http://www.irna.ir .

جميع الحقوق محفوظة لموقع مؤسسة الدراسات الإيرانية 2016 م

العنوان: طهران، شارع الشيخ البهائي (الجنوبي)، شارع إيران شناسي، مدينة والفجر )

التصميم والتنفيذ: دائرة الحاسبات و تقنية المعلومات