ما هی الدراسات الإیرانیة؟
منذ فترة طویلة و«ماهیة الدراسات الإیرانیة» تشغل أذهان الكثیر من الباحثین والمهتمین. لذلك قدّم كل واحد من المختصین إجابة لهذا السؤال تتناسب مع حقله التخصصی (التاریخ والجغرافیا، واللغة والآداب، وعلم الاجتماع، والثقافة العامة والأعراف والتقالید، والفنون وعلم الآثار، وعلم الإنسان وعلم الأقوام وغیر ذلك). ربما لا یعود ماضی إثارة هذا السؤال فی إیران إلى أكثر من مائة سنة، بید أن العامل المهم الذی یتجلى دوماً إلى جانب هذا السؤال هو: هل الدراسات الإیرانیة تشخیص وتعریف الدراسات الإیرانیة لوحدها كحقل علمی مستقل؟
یعتقد لفیف من الباحثین أن الدراسات الإیرانیة لا یمكنها أن تكون لوحدها وبحد ذاتها حقلاً علمیاً، لأن هذا الحقل مزیج من حقول وفروع متعددة من العلوم الإنسانیة. من جهة أخرى وفدت ظاهرة الاستشراق، وعلم الإیرانیات تبعاً لها، بشكل جاد منذ نحو قرنین سابقین، إلى حوارات وأفكار وكتابات العلماء والباحثین العلمیین فی البلدان الغربیة والأوربیة. وعلیه فالقضیة الجدیدة التی تطرح فی الأوساط العلمیة إلى جانب قضیة الدراسات الإیرانیة هو التعریف الذی قدّمه المستشرقون الأجانب كإجابة عن هذا السؤال. وبعبارة مبسطة، یوجد لهذا التعبیر تعریفان إثنان أحدهما داخلی والثانی خارجی، وهذا ما یزید بشكل ملحوظ من الغموض الذی یحیط بالمسألة. مع ذلك یمكن أن نستخلص من آراء الخبراء فی الدراسات الإیرانیة النتیجة التالیة:
المراد من الدراسات الإیرانیة هو المطالعات والبحوث العلمیة حول منطقة كانت فی العصور القدیمة رقعة واحدة تسمّى إیران. تجترح هذه الدراسات بهدف معرفة المظاهر الثقافیة والاجتماعیة وكذلك إعادة إنتاج الأجزاء المتضررة والمنقوصة من الثقافة الإیرانیة. وعلیه، یمكن اعتبار الدراسات الإیرانیة حقلاً علمیاً (یتم فیها البحث والتحقیق على أساس الأسالیب والمناهج الخاصة فی البحث والدراسة العلمیة) حول إیران والمناطق التی سكنها الإیرانیون فی العالم.
هناك لغات ولهجات إیرانیة وأعراف وتقالید مشتركة لدى الكثیر من الأقوام الإیرانیین الذین سكنوا مناطق آسیا الغربیة. كما تلاحظ سوابق تاریخیة وثقافیة مشتركة بین غالبیة هذه البلدان وشعوب هذه المناطق وبین بلد إیران وشعبها. أضف إلى ذلك أن الثقافة والحضارة الإیرانیتین تركتا منذ القدم تأثیرات عمیقة كبیرة على هذه المناطق لا نزال نشاهد علاماتها بأشكال متعددة لحد الآن.
و علیه، فدراسة وتمحیص كل الجوانب الممكنة المعرفة من إیران، من قبیل الشؤون التاریخیة والثقافیة والعرقیة واللغویة والدینیة والاقتصادیة والسیاسیة والجغرافیة و...، فی المجتمعات ذات الثقافة الإیرانیة، تندرج ضمن تعریف الدراسات الإیرانیة.
ضرورة التأسیس لحقل الدراسات الإیرانیة
تأسیس حقل الدراسات الإیرانیة یوفر الأرضیة للدراسة والبحث حول الحقول والمجالات المتعلقة بالثقافة والحضارة الإیرانیة، ذلك أن العالم العلمی والثقافی الیوم یعلم جیداً أن الحضارة والثقافة الإیرانیتین أكبر وأوسع بكثیر من المدیات المتوقعة لشعب فی تاریخ العالم. وهكذا فالثقافة الإیرانیة كانت دوماً ثقافة ذات جوانب ووجوه عالمیة مختلفة، ولم تقصر نفسها على الحدود الجغرافیة أو العرقیة لإیران بل حاولت - خلافاً لكثیر من الحضارات والثقافات الكبیرة الأخرى مثل مصر وبلاد ما بین النهرین، والهند والصین - أن تمزج بین الأجزاء المنتقاة للثقافات والحضارات المختلفة فی شرق العالم وغربه بما یتناسب والموقع الجغرافی الممتاز لإیران، لتصنع منها بالنتیجة ثقافة أوسع من الثقافة الإیرانیة، أی ثقافة بشریة تعرضها على العالم.
إن تأسیس فرع الدراسات الإیرانیة یمهّد الأرضیة لفتح الطریق السهل أمام علماء الإیرانیات الشباب لینشطوا بذلك فی مجالات البحث والدراسة والتحقیق فی الشؤون الإیرانیة. هذا مضافاً إلى أن وجود حقل الدراسات الإیرانیة یعد مجالاً مناسباً للباحثین فی الدراسات الإیرانیة (فی إیران والعالم بأسره) یمكنهم من تطویر دراساتهم وإنجازاتهم. كما أنهم عن هذا الطریق سوف یكون لهم تعاون أوسع وأكمل مع علماء الإیرانیات الآخرین. وبالنتیجة فإن القیام بهذه النشاطات سوف ینمّی الثقافة الإیرانیة - الإسلامیة فی كل العالم ویرفع من مستوى تنسیقها.
ما الهدف من تأسیس حقل الدراسات الإیرانیة فی داخل إیران؟
فی الوقت الراهن وبالنظر لوفاة معظم المستشرقین وعلماء الإیرانیات الكبار فی الغرب وروسیا، خلت مراكز الاستشراق فی البلدان الغربیة وروسیا من المستشرقین وعلماء الإیرانیات الكبار المعتبرین، وحان الأوان لأن یعود كرسی الاستشراق والدراسات الإیرانیة وإلى الأبد إلى مهده وأرضه الأصلیة أی بلاد الشرق وخصوصاً إیران. الحاجة العمیقة التی تستشعر فی هذا المضمار لیست عدیمة الصلة بواقع تاریخی مریر، وتذكّر بقضیة: كیف كان المستشرقون وعلماء الإیرانیات منذ العهد الصفوی فما بعد یفدون إلى إیران على شكل وفود سیاسیة وتجاریة وسیاحیة وعسكریة و... . لقد شخصوا بدراساتهم وبحوثهم الواسعة كل الأسس والمبادئ الثقافیة والتاریخیة والسیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والجغرافیة فی بلادنا، وبذلك مهّدوا لدخول الاستعمار والاستثمار الذی مارسته حكوماتهم فی بلادنا وسائر بلدان المنطقة لأحقاب زمنیة طویلة.
لحسن الحظ فقد كان هناك خلال العقود الأخیرة مساعی وجهود واسعة أبداها العلماء والمفكرون الإیرانیون وغیرهم من بلدان المنطقة لیضفوا على علم الاستشراق - والدراسات الإیرانیة خصوصاً - معنى ومفهوماً واقعیاً غیر استعماری، ویطرحوه كحقل علمی بموضوع إیران والمناطق التی سكنها الإیرانیون فی العالم، ویعرضوه لتقییم المهتمین بالدراسات الشرقیة والإیرانیة.
و مع ذلك فإن المساعی المبذولة على هذا الصعید لیست كافیة بالمرّة. من هنا یبدو أن العامل المهم الذی حال دون أن یتمتع علم الإیرانیات فی داخل البلاد بالحراك والحیویة المنشودة هو وجود مراكز علمیة متعددة وخطوات ونشاطات متوازیة تجترحها هذه المراكز. لذلك یقترح أن یصار إلى تنسیق استراتیجی ومبدئی لإحالة كافة الدراسات والبحوث والنشاطات التعلیمیة والبحوث المرتبطة بعلم الإیرانیات إلى «مؤسسة الدراسات الإیرانیة». إن مؤسسة الدراسات الإیرانیة الیوم تعمل على زیادة وإنماء المراكز التعلیمیة التابعة لها لترفع بذلك من استیعابها للطلبة الجامعیین فی مراحل الماجستیر والدكتوراه فی هذا الفرع، وتوفر الظروف الملائمة، فی ضوء الأرصدة العلمیة المتوفرة فی هذا المركز، لتحوّل هذا المركز العلمی البحثی إلى «أم القرى» فی الدراسات الإیرانیة على المستوى العالمی، وتتولى توجیه هذا الحقل علمیاً وبحثیاً فی كل العالم.
مع أن عدة جامعات فی داخل إیران بادرت لحد الآن لافتتاح فرع الدراسات الإیرانیة لمرحلة الماجستیر، إلّا أنه لا تزال الحاجة واضحة لتأسیس وافتتاح «كلیات دراسات إیرانیة وإقلیمیة» فی سائر المراكز العلمیة والجامعیة فی البلاد. وفی حال تمت البرمجة التعلیمیة لهذه المراكز بالتنسیق مع مؤسسة الدراسات الإیرانیة فستكون النتائج أفضل وأقرب إلى الحالة المنشودة.
فروع مرحلة الماجستیر والدكتوراه فی الدراسات الإیرانیة
من منطلق سعة البحوث والمجالات المدرجة ضمن إطار الدراسات الإیرانیة وضرورة توفرها بشكل متواز ومتزامن على كافة المهارات والتخصصات ذات الصلة، یتم تنظیم مجامیع من الدروس المتجانسة یوجّه كل واحد منها الطالب الجامعی نحو تخصص معین، وتعرض على الطلبة الجامعیین على شكل فروع دراسة لیختار كل طالب ما یتناسب منها مع رغباته وقدراته، ویواصل دراسته فیه.
فی مرحلة الماجستیر یتعلق كل واحد من هذه الفروع بموضوع معین. ومن البدیهی أنه یجب أن یكون موضوع أطروحة الطالب الجامعی متناسقاً مع مجال فرعه. مجموع الدروس الفرعیة 12 نقطة تخصصیة منها 8 نقاط إجباریة و 4 نقاط اختیاریة.
فروع مرحلة الماجستیر
الدراسات الإیرانیة العامة
الدراسات الإیرانیة - الثقافة الشعبیة والأعراف والتقالید والتراث الثقافی
الدراسات الإیرانیة - التاریخ
الدراسات الإیرانیة - مبادئ علم المخطوطات (النسخ الخطیة) وتصحیفها وصیانتها
حقل الدراسات الإیرانیة فی مرحلة الدكتوراه
الدراسات الإیرانیة
مدة الدراسة الأكادیمیة فی فرع الدراسات الإیرانیة
طبقاً للنظام الداخلی التعلیمی الخاص بمرحلة الماجستیر (المصادق علیه من قبل وزارة العلوم والبحث العلمی والتقنیة / التعلیم العالی) تستمر مدة هذه المرحلة فی حقل الدراسات الإیرانیة لسنتین ونصف السنة كحد أقصى. فی هذه المرحلة حیث تكون الدروس على شكل نقاط دراسیة تستغرق كل نقطة نظریة 16 ساعة، وتستمر الدروس العملیة 32 ساعة، وتخصص للورشات 48 ساعة، أما التطبیق والممارسة فخصص لها 64 ساعة على مدى نصف سنة دراسیة. ویتم تعیین زمن البحوث العلمیة والتبادل الفكری والرحلات العلمیة والتعلیمیة من قبل التعلیم (بإشراف شورى الدراسات العلیا).
وطبقاً للنظام الداخلی الخاص بالدراسة فی مرحلة الدكتوراه (المصادق علیه من قبل وزارة العلوم والبحث العلمی والتقنیة / التعلیم العالی) تستمر هذه المرحلة أربعة أعوام كحد أقصى، وتكون الدروس على شكل نقاط. ویتم تعیین مدد البحوث العلمیة والتبادل الفكری والرحلات العلمیة والتعلیمیة من قبل التعلیم (بإشراف شورى الدراسات العلیا)
دور خریجی الدراسات الإیرانیة ومؤهلاتهم
لا شك فی أن تنفیذ أی برنامج بحاجة إلى أفراد متخصصین ذوی مهارات وتصورات تخصصیة واضحة، كما یحتاج هؤلاء فی كثیر من الأحیان إلى معلومات بینیة عمیقة (ما بین الحقول العلمیة المختلفة). من أجل إعادة علم الإیرانیات إلى مكانته الأصلیة المناسبة داخل إیران وتطویره على مسار صحیح لا بدّ من وجود مصادر إنسانیة متخصصة وكفوءة، ولا یمكن تحقیق هذا الهدف من دون توفر هذه الطاقات والكوادر البشریة. وعلیه فخریجو حقل الدراسات الإیرانیة هم المصادر البشریة لهذا الحقل، وهم القادرون على أن یكونوا أهم وسیلة لتعریف الثقافة والفنون والعلوم الإیرانیة فی داخل البلاد وخارجها. كما بمستطاعهم فی ضوء المعلومات والمعارف الإیرانیة التی اكتسبوها طوال فترة دراستهم فی هذا الفرع، أن ینقلوا هذه المعارف العلمیة إلى الطلبة فی المراكز البحثیة والجامعات ومؤسسات التعلیم العالی باعتبارهم أساتذة وباحثین هناك. أضف إلى ذلك أن خریجی فرع الدراسات الإیرانیة بمقدورهم أن یعملوا فی المستشاریات الثقافیة الإیرانیة خارج البلاد كمروّجین لثقافة الدراسات الإیرانیة، أو العمل كمدراء رفیعی أو متوسطی المستوى فی أجهزة مثل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی، ووزارة الداخلیة، والإذاعة والتلفزیون، وغیرها من المؤسسات والمراكز الحكومیة والخصوصیة المرتبطة بشكل من الأشكال بعلم الإیرانیات، وأن یزاولوا نشاطاتهم هناك كمتخصصین فی أقسام السیاحة والخدمات الثقافیة والاجتماعیة. ویمكنهم بالإضافة إلى ذلك أن یدیروا مؤسسات ووحدات جدیدة تعمل بنفس الاتجاه ولنفس الأهداف.