بنیاد ایران شناسی-موسسة الدراسات الایرانیة

مراجعة للجغرافیا التاریخیة فی آذربایجان و أرّان
ظهور اسم آذربایجان
رؤیة نقدیة لتصورات خاطئة وسبب إطلاق اسم آذربایجان على أرّان

السطور التالیة خلاصة بقلیل من التعدیل لبحث تحت عنوان «مراجعة للجغرافیا التاریخیة فی آذربیجان وأران، ظهور اسم آذربایجان.. رؤیة نقدیة لتصورات خاطئة وسبب إطلاق اسم أرّان على آذربیجان» من كتابة الزمیل العزیز محمد رضا قلی زاد فی شعبة آذربایجان الغربیة. وقد استفاد فی كتابة هذا البحث من مصادر مختلفة أهمها الكتاب القیّم «آذربایجان وأرّان» للمرحوم عنایت الله رضا. وقد تم الاكتفاء بخلاصة للبحث فی ضوء أن جمیع الوثائق والمصادر وأقوال المؤرخین وبحوث الباحثین والكتاب فی هذا البحث تعضّد كلها هذه الفكرة.

فی سنة 1917 م وبعد عدة أشهر من إسقاط الحكم القیصری لعائلة رومانوف فی روسیا، أسست حكومة لینین البلشفیة لأول دولة شیوعیة فی العالم. فی غمرة الاشتباكات الداخلیة ومع انهیار منظمة الجیش فی معظم مناطق القوقاز، توفرت فرصة لهجوم الجیش العثمانی على تلك المناطق. بعد ذلك وفی سنة 1918 م أعلن زعماء حزب مساواة أران التابعین للدولة العثمانیة والمتبنین لفكرة الپان تركیسم، أعلنوا الاستقلال باسم جمهوریة آذربایجان. ومع أن عمر هذه الجمهوریة لم یتجاوز السنتین حیث انتهى بانهیار الإمبراطوریة العثمانیة، وصارت ضمن مملكة وحدود الاتحاد السوفیتی، ورغم إعدام بعض زعماء حزب المساواة، إلّا أن اسم جمهوریة آذربایجان الاشتراكیة بقی یطلق على منطقة لم تكن تحمل هذا الاسم أساساً.

كان انفصال أران وباقی مناطق القوقاز جرحاً أصاب الجسد الإیرانی فی الحروب التی دارت بین إیران وروسیا. ولكن استقلال تلك المنطقة تحت اسم آذربایجان، وهو ما لا یتطابق أبداً من الحقائق التاریخیة، أدى إلى دهشة كبیرة وردود فعل، ویحتمل أن یكون وراءه مؤامرة لفصل آذربایجان عن إیران. یقترب هذا الظن من درجة الیقین عندما نعلم أنه فی ذلك الزمان وتزامناً مع الحرب العالمیة الأولى كانت إیران ضعیفة جداً لعدم وجود حكومة مركزیة قویة فیها. احتلت الدولة العثمانیة أجزاء مهمة من آذربایجان، وبتأثیر من أفكار الپان تركیسم فی حزب الاتحاد والترقی الحاكم، تابعت وكرّست سیاساتها فی توسیع أقلیمها ومساحتها لتشمل المناطق الناطقة بالتركیة فی البلدان المجاورة. كما أن أنصارهم فی حزب المساواة كانوا یروّجون لفكرة أن آذربایجان كانت بلداً وشعباً انقسمت فی الحروب بین إیران وروسیا إلى قسمین، فسار القسم الشمالی على طریق التقدم وبقی القسم الجنوبی أسیراً لإیران.

وفی ضوء استمرار الأكاذیب المغرضة النابعة من مراكز إعلامیة للجار الشمالی والتی أثرت إلى حد ما فی أذهان وأفكار بعض سكان هذا الطرف من نهر أرس، من البدیهی أن یصار إلى مراجعة الوثائق والمستندات التاریخیة والمصادر العلمیة التی لا تقبل الإنكار من أجل إجلاء الحقیقة، للحیلولة دون وقوع تكالیف وأضرار للبلد.

النقطة الأولى: الجغرافیا التاریخیة لآذربایجان وأران

المنطقة التی سمیت منذ سنة 1918 م وطبقاً للسیاسات المغرضة للحزب الحاكم فی جمهوریة آذربایجان باسم آذربایجان، كان لها إلى ما قبل ذلك اسم آخر. إنها أرض كانت تسمّى فی النصوص التاریخیة الیونانیة والرومانیة بـ «آلبانیا القوقاز»، وفی المصادر الأرمنیة «آلوانك»، وفی المصادر الفارسیة والعربیة بأرّان والرّان.

تعرف حدود هذه الأرض فی المصادر والوثائق التاریخیة بنقاط مشتركة لا تترك أی مجال للشكوك والشبهات.

یذكر المؤرخون وعلماء الجغرافیا الیونانیون والرومان فی العهد القدیم، ومنهم پلینیوس، واسطرابون، وبلوتارخ، وبطلیموس، الحدود الجنوبیة لألبانیا بنهر كر أو نهر أرس كحد أقصى، وأرض آتورپاتن المیدیة، ومن الشرق بحر الخزر، ومن الغرب أرض إیبریان أو الجورجیین.

یعتقد أسطرابون أن حدود ألبانیا هی كما یلی: «ألبانیا أرض تمتد من جنوب سلسلة جبال القوقاز إلى نهر كورا، من بحر الخزر إلى نهر آلازانی (النهر الذی یمر بجورجیا وألبانیا ویلتحم بنهر كورا)، وتحدها من الجنوب أرض المیدیین آتورپاتن».

فی كتابات العلماء الإیرانیین والعرب فی القرون الإسلامیة الأولى تقع أران شمال نهر أرس وإلى الجنوب منه آذربایجان.

یكتب یاقوت الحموی الذی عاش فی القرن السابع الهجری حول حدود أران: بین آذربایجان وأران نهر یسمى أرس. ما یقع إلى الشمال والغرب من هذا النهر هو أران وما یقع جنوبه هو آذربایجان.

ویكتب عالم جغرافی مسلم آخر هو زكریا القزوینی (674 هـ) حول أران: أران مملكة بین آذربایجان وأرمینیا وأبخازیا.

وتناول الباحثون والمستشرقون وعلماء التاریخ فی القرنین التاسع عشر والعشرین للمیلاد فی كتاباتهم موضوع ألبانیا القوقاز (أران) وذكروا حدودها الجغرافیة.

یضطر یامپولسكی أحد الباحثین المناصرین للنظریات السیاسیة للحزب الشیوعی السوفیتی، یضطر لذكر الحقیقة فیكتب قائلاً: كانت ألبانیا (أران) تقع فی شمال آتروپاتن (آتورپاتگان - آذربایجان)، والخط الحدودی بین الأراضی المذكورة هو نهرا أرس و كر.

ویكتب المستشرق الروسی الألمانی الأصل الذائع الصیت آكادمسین (واسیلی فیلادیمیروویچ بارتولد) حول هذا الموضوع فیقول: ألبانیا فی العصور السالفة وبعد ذلك عندما كان اسمها أران، كانت تطلق على أرض تمتد من ناحیة دربند فی الشمال الشرقی إلى مدینة تفلیس فی الغرب وإلى نهر أرس فی الجنوب والجنوب الغربی. وقد قال هذا المستشرق فی سنة 1924 م جواباً على طالب جامعی سأله: هل یحق لنا تسمیة أرضنا بآذربایجان؟ قال له فی الجواب: متى ما لزم اختیار اسم یضم التراب الحالی لجمهوریة آذربایجان عندها یمكن اختیار اسم أران.

ویكتب شمس الدین سامی المؤلف العثمانی فی قاموس الأعلام التركی تحت مادة أران: أران هو الاسم القدیم لمنطقة تقع شمال آذربایجان وجنوب شرقی جورجیا وجنوب غربی شیروان وبین نهری أرس و كر. ویعرف القسم الأعظم منها الآن باسم قره باغ، وقد انتقلت السیادة علیها من إیران إلى روسیا.

طبقاً للشواهد المذكورة یمكن القول إن الاسم الحالی لجمهوریة آذربایجان لیس له أساس وجذور تاریخیة ولیست له أیة صلة بأصوله وینابیعه القدیمة، خصوصاً وأن آذربایجان نفسها اسم أرض تقع داخل أرض إیران ولها ماض یمتد لألفین وثلاثمائة سنة بهذا الاسم.

النقطة الثانیة: حدود میدیا وآذربایجان

المیدیون شعبة من الآریین المهاجرین إلى شمال غرب هضبة إیران، وقد استطاعوا فی القرن السابع قبل المیلاد بإسقاطهم الدولة الآشوریة أن یؤسسوا لأول دولة إیرانیة. فی القرن الرابع قبل المیلاد أصبحت أرض میدیا تقع فی مملكة الدولة الأخمینیة وقد انقسمت إلى قسمین هما میدیا الصغرى ومیدیا الكبرى (السفلى). ضمت میدیا الكبرى مناطق كردستان والری وشمال غرب الصحراء المركزیة فی إیران وهمدان، واقتصرت میدیا الصغرى على آذربایجان فی شمال غرب إیران. تعرضت حدود أرض میدیا لتغیرات دائمة وكانت تتسع على أساس القوة والسلطة والسیادة، ولكن حسب ما أورده المؤرخون والمستشرقون فإن الأرض الأصلیة لمیدیا الصغرى كانت تقتصر على جنوب نهر أرس.

بعد هجوم الاسكندر صارت میدیا الصغرى تسملا باسم قائدها آتروپاتگان. میدیا آتروپاتگان أو آذربایجان وبسبب الإمكانیات الواسعة فیها، من میاه وتربة صالحة، كانت تعتبر منطقة مناسبة لسكن الإنسان وعیشه. تشیر البحوث والتنقیبات الأثریة ومنها ما كان فی كهف تامتام فی محافظة آذربایجان الشرقیة إلى ماضی سكن البشر فی تلك المنطقة بما یرجع إلى العصر الحجری. قبل المیدیین والفرس (پارسها) الذی أجبرتهم الدولة الآشوریة فی القرن الثامن قبل المیلاد على الانفصال عن المیدیین والتوجه إلى جنوب إیران، كان هناك أقوام آخرون یعیشون فی میدیا الصغرى، وأهمهم وأحدثهم فی تلك الأرض هم المانناییون. بسیطرة المیدیین نسیت لغة الماننایین ومشتركاتهم القومیة ووعیهم الذاتی، وتحولوا إلى میدیین.

یقول دیاكونوف مؤلف كتاب «تاریخ میدیا» حول حدود میدیا فی العصر القدیم: «تتحدد میدیا من الشمال بنهر أرس وقمم ألبرز (فی جنوب بحر الخزر)، ومن الشرق بصحراء دشت كویر المالحة، ومن الغرب والجنوب بسلسلة جبال زاگروس».

وأورد شمس الدین سامی بیك فی قاموس الأعلام التركی تحت مادة مدیه (الشكل الیونانی لمیدیا): «مدیه اسم أطلقه المؤرخون والجغرافیون الیونان القدماء على أجزاء من عراق العجم وآذربایجان».

وكان ابن خردادبه، والإصطخری، وابن حوقل البغدادی، ویاقوت الحموی، وحمد الله المستوفی، وزكریا القزوینی من جملة المؤرخین والجغرافیین والسیاح فی العصر الإسلامی الذین تحدثوا بوضوح عن حدود آذربایجان أو میّزوها عن سائر المناطق والولایات بذكر أسماء المدن والمناطق.

یكتب یاقوت الحموی فی كتابه «معجم البلدان» حول حدود آذربایجان: «بین آذربایجان وأران نهر یسمونه نهر أرس، وما یوجد فی شمال وغرب هذا النهر هو أران، وما یوجد فی جنوبه هو آذربایجان».

ویقول محمد حسین خلف التبریزی (1062 هـ ق) فی كتابه «البرهان القاطع» أن نهر أرس اسم نهر یقع بین آذربایجان وأران.

تقع كل أرض میدیا حسب ما اتفق علیه الباحثون فی الجغرافیا التاریخیة داخل أرض إیران. كما أنهم اعتبروا میدیا الصغرى أو آتورپادكان آذربایجان أسفل نهر أرس، وسموا شماله ألبانیا القوقاز أو أران. ومن هؤلاء الباحثین یمكن الإشارة إلى فورر، وأشترك، ودیاكونوف، وإقرار علیوف، وماركوارت، وبارتولد.

یدرس الدكتور عنایت الله رضا فی كتابه «آذربایجان وأران» المواد المتعلقة بالقوقاز وآذربایجان فی الموسوعات التی صدرت فی روسیا قبل الثورة البلشفیة سنة 1917 م فیثبت أن الأرض الواقعة أعلى نهر أرس لم تكن تسمى إلى ما قبل سنة 1918 م بآذربایجان فی جمیع الوثائق والنصوص والكتابات.

النقطة الثالثة: جذور كلمة آذربایجان وأصلها

آتروپات اسم أحد الزعماء والقادة فی جیش داریوش الثالث، وهو قائد المیدیین فی زمن هجوم الإسكندر المقدونی على إیران. بغض النظر عن أسباب تفاوضه وصلحه مع الإسكندر، ینبغی التنبه إلى نقطة معینة هی أن استرضاء الإسكندر أبقى أرض میدیا بمأمن من هجمات الأجانب وغاراتهم. ومن أجل أن یكرس آتروپات موقعه السیاسی زوّج ابنته من پردیكاس القائد القوی ونائب السلطان فی أجهزة الإسكندر المقدونی. بعد موت الإسكندر ومقتل پردیكاس، أعاد القادة المقدونیون تقسیم الساتراپات أو الولایات والمحافظات أو تعیین حكام الأقالیم، لكن أرض میدیا الصغرى وبسبب قوة آتروپات ونفوذه بقیت مستقلة، وأطلق الناس على الأرض التی یحكمها آتروپات اسم میدیا آتروپاتن أو آتروپاتكان.

كان العالم الجغرافی الیونانی إسطرابون أول من عرض فی كتابه الجغرافی صورة واضحة لآتروپات والأرض التی سمیت باسمه. وهذا ما أورده كتاب وباحثون مشاهیر آخرون مثل إقرار علیوف فی كتاب «تاریخ آتورپاتكان»، ودیاكونوف فی كتاب «تاریخ میدیا»، وبارتولد فی كتاب «جغرافیا إیران التاریخیة».

لقد كان الشكل الأولی لآذربایجان آتورپاتكان أو آتروپاتكان، وتحورت على مرّ الزمن لتصبح على شكلها الحالی. كان الیونانیون ینحتون أسماء البلدان بإضافة الملحق المكانی «ene» للكلمة. وفی الآثار الیونانیة أطلقوا على أرض آتروپات اسم «Atropatene». الملحق «kan» فی اللغات الأرمینیة والمیدیة والپارتیة (الفرثیة) یفید الإشارة إلى المكان، وكانت آتروپات تكتب فی الأرمینیة على شكل «Atrpatkan».

فی الكتابات العربیة وتبعاً للنصوص السریانیة وردت آذربایجان على شكل «آذرباذگان» و«آذربیجان».

أغلق بعض الكتاب فی جمهوریة آذربایجان وتركیا أعینهم وآذانهم عن كل هذه الوثائق والأسانید التاریخیة وعمدوا إلى أختلاق الأكاذیب والتلفیق ونسج الظنون التی لا قیمة لها إرضاء لمطالب القادة السیاسیین، محاولین المساس بالواقع التاریخی لإیرانیة آذربایجان. ومن أجل خداع قرّائهم ومتلقیهم عمدوا إلى تجزئة حروف كلمة آذربایجان من أجل صیاغة جذور تركیة لها. سیداف، وهو صاحب دكتوراه فی علم اللغات، یعتبر بدافع الیأس واستحماق الآخرین، أن «آذ» هو اسم قبیلة تركیة، و«ار» بمعنى الرجل، و«بای» بمعنى بیگ، و«آجان» بمعنى الخان أو الأب فی اللغة التركیة، ویستنتج أن آذربایجان تعنی الخان أو البیگ أو رجلاً من قبیلة «آذ». لیس لسیداف وقربانی وأفراد من هذه الجماعة إجابات وحجج واضحة، لأن الشكل الأولی لآذربایجان (أی آتروپاتكان - آتورپاتكان) لم یكن فی الماضی أبداً على شكله الحالی حتى یمكن الوصول إلى هذه النتیجة عبر تجزئة حروف هذه الكلمة. وذهب فریق آخر إلى صناعة جذور لآتروپاتكان من غیر كلمة آتروپات، فاعتبروها مثلاً مفردة سومریة. ولإثبات عدم صحة هذه الآراء یمكن التوكّؤ على الكتابة الواضحة لإسطرابون الذی عاش فی زمن حكم عائلة آتروپات. بالإضافة إلى ذلك فإن علماء مثل علیوف ودیاكونوف یرفضون رفضاً حاسماً وبمنهج منطقی واستدلالی وعلمی فی دراسة جذور الكلمات، إمكانیة اشتقاق مفردة آتروپاتكان (آذربایجان) من غیر مفردتی آتروپات أو آتورپات.

جميع الحقوق محفوظة لموقع مؤسسة الدراسات الإيرانية 2016 م

العنوان: طهران، شارع الشيخ البهائي (الجنوبي)، شارع إيران شناسي، مدينة والفجر )

التصميم والتنفيذ: دائرة الحاسبات و تقنية المعلومات