بنیاد ایران شناسی-موسسة الدراسات الایرانیة

مراسم النوروز

بقلم: شیوا باقری

تنبّه الإنسان منذ بدایات حیاته الاجتماعیة وعندما كان یعیش على الصید وتجمیع الأطعمة النباتیة، تنبّه إلى عودة وتكرار بعض الأحداث الطبیعیة ومنها فصول السنة. فمیّز بین أزمنة الثلوج ومواسم الزهور والنبات ومواقیت تزاوج الطیور والماشیة. وقد أفرزت الحاجة إلى حساب فترات الزراعة، أی الحاجة إلى معرفة زمن الزراعة والحصاد، أفرزت تقسیمه للفصول وإنتاجه للتقویم الزراعی الریفی. ولا مراء فی أن أول حساب للفصول فی كل المجتمعات كان عن طریق حركة القمر الذی یعتبر رصد تغییراته أسهل. ونتیجة النواقص وعدم الاتساق بین التقویم القمری والتقویم الزراعی فقد اتجه الإنسان نحو تنظیم التقویم على أساس دوران الشمس. لم تكن السنة عند الإیرانیین مكوّنة دائماً من أربعة فصول. ففی بعض الأحیان كانت السنة تشمل فصلین: الشتاء ذو العشرة أشهر والصیف ذو الشهرین. وأحیاناً كانت السنة تشمل الصیف ذا السبعة أشهر (من فروردین إلى آبان / من آذار إلى تشرین الثانی تقریباً) والشتاء ذا الخمسة أشهر (من آبان إلى فروردین / من تشرین الثانی إلى آذار تقریباً)، وأخیراً صارت السنة منذ زمن قدیم نسبیاً تشمل أربعة فصول یتكوّن كل واحد منها من ثلاثة أشهر. فضلاً عن إیران فإن سنوات وأشهر السغدیین والخوارزمیین والسیستانیین فی شرق إیران والكاپادوكیین والأرمن فی غرب إیران هی على غرار سنوات وأشهر الإیرانیین دون أی زیادة أو نقصان.


بدایة السنة:

یعتقد علماء الإنسان أن حساب بدایة السنة بین الأقوام والجماعات السالفة منذ عصر الزراعة كان عملیة مترافقة مع مراحل من الزراعة أو الحصاد ولذلك فإن بدایة السنة الجدیدة فی معظم البلاد والأعراف تصادف الأیام الأولى من الخریف أو الشتاء أو الربیع. بدایة السنة عند الإیرانیین مع أنها تعرّضت للتغییر فی بعض الأزمنة لكن حمزة الإصفهانی یقول فی كتاب «سنی ملوك الأرض والأنبیاء» والبیرونی فی كتاب «الآثار الباقیة» إن بدایة السنة الإیرانیة منذ خلقة الإنسان (أی منذ بدایة الألف السابع من تاریخ العالم) كان یوم هرمز من فروردین عندما تكون الشمس فی نصف النهار فی نقطة الاعتدال الربیعی وطالع السرطان.

جذر مفردة النوروز:

النوروز مفردة مركّبة من جزئین، وتعنی هذه التركیبة الیوم الجدید، وهو الیوم الأول من الشهر الأول من السنة الشمسیة. وهو بدایة فصل الربیع ویحین عندما تنتقل الشمس إلى برج الحمل. أصل مفردة النوروز فی اللغة الپهلویة هو «نوك روچ» أو «نوگ روز»: بحق المهر جان ونوك روز وفرخ روز آبسال الكبیس (أبو نؤاس).

ظهور احتفال النوروز:

فی الأدبیات الفارسیة، ینسبون احتفال النوروز إلى الملوك الأوائل شأنها شأن الكثیر من المراسم والأعراف والتقالید والثقافات. شعراء وكتاب القرنین الرابع والخامس للهجرة مثل الفردوسی ومنوچهری وعنصری والبیرونی والطبری والمسعودی وابن مسكویه والگردیزی وكثیرین غیرهم یذهبون إلى أن مصادر التاریخیة والأسطوریة للنوروز تعود إلى أدبیات ما قبل الإسلام، ویعتقدون أن النوروز وإقامة احتفالات بمناسبة النوروز یعود إلى زمن جمشید ملك پیشدادی.

یعتبر محمد بن جریر الطبری أن النوروز هو بدایة حكم جمشید العادل وجلوسه للمظالم:

«قال جمشید للعلماء فی الیوم الذی أجلس فیه للمظالم تعالوا عندی لتظهروا كل ما عندكم من عدل وإنصاف لأعمل به، وكان الیوم الذی جلس فیه للمظالم یوم هرمز من شهر فروردین. وبهذا جعلوا ذلك الیوم تقلیداً».

و یرى أبو ریحان البیرونی أن طیران جمشید هو بدایة احتفال النوروز:

«عندما صنع جمشید لنفسه عربة ركبها فی هذا الیوم وحمله الجن والشیاطین على الهواء، وانتقل فی یوم واحد من جبل دماوند إلى بابل، فتعجب الناس حین شاهدوا ذلك وجعلوا ذلك الیوم عیداً وكانوا یجلسون على الأراجیح تكریماً لذكرى هذا الیوم ویتأرجحون».

و حسب ما كتبه الگردیزی فإن جمشید أقام احتفال النوروز شكراً لله على رفعه الحرّ والبرد والمرض والموت عن الناس، وبقی على هذا التقلید ثلاثمائة عام. وفی نفس هذا الیوم جلس جمشید على عجل وسار نحو الجنوب لمحاربة الشیاطین والأشرار فحاربهم وانتصر علیهم جمیعاً.

و بالتالی یكتب الخیام إن جمشید احتفل بالنوروز بمناسبة عودة الشمس إلى برج الحمل:

«كان السبب فی إقامة النوروز أنه كان للشمس دورتان، إحداهما أنها تعود كل ثلاثمائة وخمسة وستین یوماً ولیلة وربع من الیوم واللیلة إلى أول دقیقة من الحمل، وحین أدرك جمشید ذلك الیوم سمّاه النوروز وأقام له الاحتفالات والمراسم، واقتدى به فی ذلك الملوك والناس من بعده».

النوروز فی باقی بلدان العالم:

بالإضافة إلى إیران تقام احتفالات ومراسم النوروز فی آسیا الصغرى والیونان. فی منطقة لیدی وفری جی (منطقة شمال غرب آسیا الصغرى) وطبقاً للأساطیر القدیمة، كان یقام احتفال على شرف سی بل (Cybele) آلهة الخصب والمعروفة بأمّ الآلهة، والآلهة آتیس (Attis)، وذلك عند وصول الشمس إلى برج الحمل وعند الاعتدال الربیعی. ویخبر المؤرخون عن إقامة هذا الاحتفال فی زمن الشاه آگوست فی كل بلاد فری جی والیونان ولیدی والأناضول. وخصوصاً الاحتفالات الكبیرة فی الأیام الثلاثة من 25 إلى 28 مارس آذار (من 4 إلى 8 فروردین). یكتب صدر الدین العینی حول إقامة احتفالات النوروز فی طاجیكستان وبخارا (اوزبكستان):

«بسبب أول الربیع، وعند انبثاق كل النباتات وحلول هذا العید تتحرك طبیعة الإنسان هی الأخرى. ولهذا یقول الطاجیك: «الحمل، كل شیء فی عمل». والحقیقة هی أن هذا العید هو عید تحرك مزارع الغلال والبذور وبدایة الزراعة والعمل وسائر المحاصیل الأرضیة التی تشبع الإنسان وتتسببت فی بقاء حیاته». ویقول فی موضع آخر:

«فی بخارا كانوا یكرمون النوروز تكریماً كبیراً وهو العید الوطنی لكل المتكلمین بالفارسیة. ویبعثون السلام سبع مرات من آیات القرآن على «غولونگ آب»، وشربه من العادات الوطنیة لأهالی بخارا فی النوروز».

وفی الوقت الحاضر، تعتبر مراسم النوروز احتفالات تقلیدیة ووطنیة كل الأقوام والشعوب القاطنة من الحدود الغربیة للصین إلى الجهة الأخرى من الفرات وإلى قرب البحر الأبیض المتوسط، ومن شمال منطقة آسیا المركزیة إلى القوقاز إلى سواحل بحر عمان والخلیج الفارسی. وممن یحیون احتفالات النوروز الشعوب فی أفغانستان وطاجیكستان وقرقیزستان وقزاقستان وتركمنستان وآذربیجان وتركیا وباكستان وشمال الهند، وكذلك كل المناطق الكردیة فی العراق وسوریة.

فترة احتفالات النوروز:

لا تتجاوز فترة احتفالات مثل: مهرگان ولیلة یلدا، والقرن (المئویة)، والكثیر من الأعیاد والاحتفالات الأخرى، لا تتجاوز أكثر من یوم أو لیلة واحدة، لكن احتفال النوروز - وتعبیر احتفالات ومراسم النوروز أبلغ للتعبیر عنه - یستمر أسبوعاً أو أسبوعین على أقل تقدیر. یكتب أبو ریحان البیرونی أن مدة إقامة احتفال النوروز بعد جمشید هی شهر كامل:

«عندما مات جم، اتخذ الملوك كل أیام هذا الشهر عیداً، وقسّموا الأعیاد لستة أجزاء: الأیام الخمسة الأولى خصّصوها للملوك، والأیام الخمسة الثانیة خصصوها للنبلاء والأشراف، وخصّصوا الأیام الخمسة الثالثة للخدم والعاملین فی البلاط، وخصّصوا الأیام الخمسة الرابعة للندماء والحاشیة فی البلاط، بینما خُصصت الأیام الخمسة الخامسة لعموم الناس، وخصّصوا الأیام الخمسة السادسة للمزارعین والفلاحین».

یذكر كمپفر فی كتاب رحلته أن الضیافات والتسلیة والاحتفالات فی النوروز خلال زمن الشاه سلیمان الصفوی كانت تستمر فی الساحات العامة لمدة ثلاثة أسابیع. ویكتب دروویل إن عطلة احتفالات النوروز فی زمن فتح علی شاه القاجاری كانت تستمر لأسبوعین.

لكن إقامة مراسم النوروز فی الوقت الحاضر تستمر على الأقل من «پنجه» أو الأربعاء من آخر السنة إلى یوم الثالث عشر من الشهر الأول من السنة الجدیدة، وهو الیوم المسمّى سیزده بدر. وقد تغیّرت المراسم والاحتفالات الخاصة بالنوروز والمتوارثة عن الأعصر القدیمة جیلاً بعد جیل، تغیّرت تغیراً كان لا بدّ منه بسبب التغیرات التی طرأت على أسالیب الحیاة وما فرضته التقنیات الصناعیة والآلیة والنظم الإداریة والمشاغل والمهن الجدیدة والقوانین ووسائل التواصل الجمعیة الحدیثة، ولكنها رغم كل هذه التغیّرات لم تفقد هویتها الأصلیة.

ومن بین الأعراف والتقالید القدیمة الخاصة بالنوروز ینبغی الإشارة إلى مراسم پنجه (خمسة مسترقة)، ومراسم چهارشنبه سوری، وزیارة أهل القبور، وتنظیف البیوت (خانه تكانی)، وزراعة الخضرة، ومائدة هفت سین، وشراء ملابس العید وأطعمة النوروز، وهی فی الواقع تمهیدات لاحتفالات النوروز، وسوف نشرحها باختصار فیما یلی.

مراسم پنجه «میر نوروزی»:

من جملة مراسم النوروز مراسم پنجه أو میر نوروزی الذی لا یعدّ فی عداد أیام السنة والأشهر والعمل، وكان هذا المیر النوروزی (السید النوروزی) یسلّی الناس ویتمازح معهم، حیث یختاره الناس حاكماً وأمیراً لمدة خمسة أیام وتكون سلوكیاته وأوامره مضحكة، ویهرب فی نهایة الحفل خوفاً من إیذاء الناس له. یشیر أبو ریحان البیرونی لرجل له ملابس ومكیاج مضحك وعجیب، یسلّی الناس فی أول یوم من الربیع ویأخذ أجوراً، وهذا ما یشیر له حافظ الشیرازی فی أشعاره باسم «میر نوروزی» الذی لا تزید أیام حكمه عن خمسة أیام.

ولا شك فی أن الأشخاص الذین یتجولون فی الشوارع فی الأیام الأولى من الشهر الأول من السنة الإیرانیة (فروردین) بثیاب حمراء ووجوه مطلیة باللون الأسود حیث یقومون بأعمال مضحكة ویقرأون الأشعار المضحكة ویرقصون لیسلوا الناس ویأخذوا منهم بعض المال، لا شك فی أنهم یعتبرون بقایا للمزاح والتسلیة الذی كان یقوم به «میر نوروزی» أو «الحاكم لخمسة أیام» فی التراث القدیم، وهؤلاء لا یشاهدون إلّا فی أیام احتفالات النوروز، ویقولون فی أشعارهم: حاجی فیروز، عید نوروز، سالی چند روز.

یوم الموتى «الخمیس الأخیر من السنة»:

من المراسم القدیمة قبیل النوروز ذكر الناس لمواتهم، حیث تتوجّه العوائل إلى المقابر ویضعون الأطعمة من رز ومرق وخبز وحلوى وتمر على مزارات موتاهم ویوقدون علیها الشموع أو المصابیح. فی بعض مدن إیران تستضیف العوائل المثكولة فی یوم واحد قبل النوروز أقرباءها بالأطعمة والحلوى ویتجمّعون حول قبور الموتى من ذویهم. ومن المرسوم أیضاً أن یتوجّه الإیرانیون الشیعة عند ساعات تحویل السنة إلى مراقد الأئمة والأولیاء.

یعتقد الزردشتیون أن أرواح الموتى وهالاتهم لا تنسى أبداً الأشخاصَ المحبین، وهی تعود إلى بیوتها فی كل سنة عند احتفالات النوروز.

تنظیف البیوت:

یستخدم اصطلاح «خانه تكانی» - الذی یعنی حرفیاً «هزّ البیوت» - للتعبیر عن غسل البیوت وتنظیفها وشراء لوازم جدیدة وتعمیر بعض المستلزمات والسجاد والملابس بمناسبة حلول النوروز. فی عملیة تنظیف البیوت هذه والتی تستمر لثلاثة أو أربعة أسابیع، یجب تغییر أماكن كل الأدوات والأثاث والوسائل الموجودة فی البیت، وتنظیفها وتعمیرها وفحصها وتصلیحها وإعادتها مرة ثانیة إلى أماكنها. بعض الوسائل الثقیلة فی البیت مثل السجاد واللوحات والستائر وغیرها لا تتحرك من أماكنها ولا تنظف تنظیفاً جذریاً إلّا مرة واحدة فی السنة وذلك عند تنظیف البیوت بمناسبة النوروز. فی بعض مدن آذربیجان یخصّص یوم الأربعاء الأول من الشهر الأخیر من السنة (إسفند) والذی یسمّى أربعاء موله (چهارشنبه موله) لغسل السجاد فی البیت.

زراعة الخضرة:

شهر إسفند الشهر الأخیر من السنة الإیرانیة الشمسیة هو موعد زراعة البذور والغلال. وكانت زراعة «خضرة العید» على شكل رمزی یفید التفاؤل وحسن الطالع، شیئاً مرسوماً تقلیدیاً فی كل البیوت وعند كل العوائل منذ أزمنة غابرة. فی إیران القدیمة «قبل خمسة وعشرین یوماً من النوروز، وفی ساحة المدینة، یقیمون إثنی عشر عموداً من الطوب الخام، ویزرعون على عمود منها القمح، وعلى عمود آخر الشعیر، وهكذا الأعمدة الأخرى التی تزرع بغلال أخرى مثل الرز والباقلاء والكاجیله والدخن والذرة والفاصولیا والحمّص والسمسم والعدس والماش و...، وفی الیوم السادس من الشهر الإیرانی الأول فروردین یحصدون هذا الخضار على وقع الأناشید والترانیم والأفراح، وینثرونها فی كل مكان طلباً للبركة والتفاؤل».

ینقل أبو ریحان البیرونی: «بقی هذا التقلید راسخاً لدى الإیرانیین وهو أن یزرعوا فی یوم النوروز إلى جانب البیوت سبعة صنوف من الغلال فی سبعة أعمدة لیحدسوا من تبرعمها وانبعاث حسن أو سوء زراعتهم ومحاصیلهم على طول السنة».

وفی الوقت الحاضر من المرسوم والدارج فی كل البیوت أن یعمدوا قبل عشرة أیام أو أسبوعین من النوروز إلى زراعة بذور القمح أو العدس أو الماش فی أوانی صغیرة أو كبیرة من قبیل الجفان أو الصحون، ویضعونها عند تحویل السنة على مائدة «هفت سین». فی بعض مدن آذربیجان ینقعون فی الأربعاء الثالث القمح والعدس ویزرعونهما كخضرة لأیام النوروز. تحتفظ العوائل بهذه الخضرة إلى الیوم الثالث عشر من فروردین (سیزده بدر) وعندما یخرجون فی هذا الیوم إلى الطبیعة ضمن مراسم معروفة یأخذون معهم أوانی التی زرعوا فیها هذه الخضرة فیلقونها فی الطبیعة أو فی المیاه الجاریة.

مائدة هفت سین (السینات السبعة):

وهی تقلید ومعتقد قدیم بأن یجتمع كل أفراد العائلة عند ساعة ولحظة تحویل السنة (لحظة دخول الشمس فی برج الحمل) فی بیوتهم حول مائدة هفت سین. یضعون على مائدة هفت سین سبعة أطعمة تنبت من الأرض تبدأ بحرف السین، وترمز للتفاؤل والحظ الحسن والنماء والخیر والبركة والمستقبل الزراعی الزاهر، والأطعمة السبعة هی: التفاح (سیب)، والخضرة (سبزه)، والزیزفون (سنجد)، والسماق، والثوم (سیر)، والخل (سركه)، والسمنو (نوع من العصیدة).

ویضیفون إلى المائدة مرآة، وشمعة، وأناء حلیب، وأناء ماء یضعون فیه نارنجاً، وعدة بیضات ملونة، ووعاء زجاجیاً یضعون فیه ماء وسمكاً صغیراً أحمر، وخبزاً، وماء الورد، وزهور السنبل، ومسكوكات نقدیة، وكتاباً دینیاً (یضع المسلمون القرآن الكریم ویضع الزردشتیون كتاب الأوستا). وتبقى هذه المائدة ممدودة فی معظم البیوت إلى یوم الثالث عشر من فروردین.


الملابس الجدیدة:

ارتداء ملابس جدیدة تقلید شائع فی إطار مراسم النوروز. إعداد الملابس الجدیدة للسنة الجدیدة أمر یشغل الفقراء والأغنیاء. وقد كان الاهتمام بالمعوزین فی المجتمع التقلیدی لمساعدتهم على إعداد ملابس النوروز الجدیدة - وخصوصاً للأطفال - تقلیداً یرقى إلى حد الإلزام. وكان الملوك والأمراء یمنحون موظفیهم وعمّالهم خلعاً بهذه المناسبة. یكتب أبو ریحان البیرونی:

«كان العرف الدارج لدى ملوك خراسان أن یمنحوا لجنودهم فی هذا الموسم ملابس ربیعیة وصیفیة». وكثیراً ما ذكر المؤرخون والشعراء ما یمنحه الملوك والأمراء من خلع فی النوروز. وأشار كتّاب الرحلات الذین زاروا إیران خلال العهد الصفوی والزمن القاجاری إلى ثیاب الناس الفاخرة عند توصیفهم لاحتفالات النوروز. الكثیر من العوائل التی ترتدی السواد حزناً على وفاة أحد الأقارب یغیّر أفرادها ملابسهم السوداء بمناسبة النوروز وعند تحویل السنة.

أطعمة النوروز:

من الدارج فی الوقت الحاضر فی طهران والكثیر من المدن الإیرانیة المركزیة أن یأكلوا فی لیلة النوروز الرز بالخضرة والسمك، وأن یأكلوا الرز بالمعروكنة فی یوم النوروز، وربما أمكن القول إن هذا هو الطعام الخاص بالنوروز فی هذه المناطق. الرز كان فی المدن المركزیة والصحراویة الإیرانیة (ما عدا گیلان ومازندران) إلى ما قبل مدة من الزمن، طعام الاحتفالات والضیافات ومؤشر رفاهیة العیش والثراء. وطعام الرز بالخضرة والسمك كان طعام كل الناس فی لیلة النوروز.

التزاور فی أیام النوروز:

من أعراف النوروز الأخرى التزاور والزیارات المتبادلة. من الدارج أن یذهب الناس فی یوم النوروز أولاً لزیارة كبار العائلة والشخصیات العلمیة والاجتماعیة. ویشارك فی الكثیر من هذه الزیارات كل أفراد الأسرة. والزیارات فی النوروز تستتبع بالضرورة بعدها زیارات جوابیة أو إعادة الزیارات التی یتخللها تقبیل الأیدی والوجوه وتكون فی الأیام الأولى من فروردین وهی عطل رسمیة، وقد تستمر أحیاناً إلى یوم الثالث عشر من فروردین بین الأقارب والأصدقاء والمعارف الأبعدین والأقربین. التزاور الجماعی بین العوائل فی المحلات والأحیاء وخصوصاً فی المدن الصغیرة ظاهرة لم تنقرض لحد الآن. وقد تتواصل هذه الزیارات إلى هزیع متأخر من اللیل.

ومن الأعراف فی زیارات النوروز أن یذهبوا أولاً إلى بیوت الذین كانوا فی نوروز الأول فی الماضی أفراداً فی العائلة. أما العوائل الثاكلة الفاقدة لأحد أحبائها ففضلاً عن مآتم الیوم الثالث والسابع والأربعین والتی تقام فی المساجد، یجلسون فی الیوم الأول من النوروز حیث یكون قد مرّ أكثر من أحد عشر شهراً ربما على وفاة فقیدهم، یجلسون فی البیت، ویأتی أقرباؤهم لیزوروهم ویشجعوهم على خلع الثیاب السوداء عنهم.

هدایا النوروز (العیدیات):

إعطاء عیدیات وهدایا بمناسبة النوروز تقلید قدیم. وكتب التاریخ تخبر عن هدایا ومنح نوروزیة كانت قبل الإسلام وبعده، یعطیها الرعایا للملوك والحكام ویعطیها الحكام والملوك للوزراء والأمناء والعمال والشعراء، ویمنحها كبار العائلة لصغارهم وخصوصاً الأطفال.

ولا یزال عرف إعطاء العیدیات ساریاً لحد الآن بین كل الشرائح والعوائل والمؤسسات الحكومیة والخصوصیة، وقد اكتسب طابعاً رسمیاً ضروریاً فی المؤسسات الحكومیة. كما أن منح العیدیات للشباب والأطفال فی العوائل ولقلیلی الدخل والعاملین فی أجواء المشاغل والكنّاسین وسعاة البرید و... هو نوع من تقدیم الشكر لهم وتعویض جهودهم وتوقع الخدمة منهم.

یوم الثالث عشر من فروردین (سیزده بدر):

الكثیر من الناس لا یؤمنون بنحوسة یوم الثالث عشر، بل ولا یؤمنون بتأثیر الأعداد فی مصائرهم، لكن الاعتقاد القدیم بنحوسة وشؤم العدد 13 ربما كان بسبب أن القدماء كانوا یعتبرون - حسب طوالع النجوم - أن للسماء إثنی عشر برجاً، وكل ولادة تحصل لها نجم فی هذه أحد الأبراج الإثنی عشر، وبالتالی فما یشكل طالع الشخص المولود وطباعه هو: أی نجم یقع فی أی برج، أما خارج الأبراج الإثنی عشر وهو العدد 13 فسیكون حالة فی غیر محلها ومشؤومة. وعلى كل حال فإن شؤم العدد 13 لم یعد الیوم مقبولاً من قبل الجمیع، واتخذ فی الغالب طابعاً خرافیاً، ومع ذلك فالغالبیة الساحقة من الناس تخرج فی هذا الیوم من بیوتها وفق تقلید شائع.

كان بعض الناس یعتقدون أنه لإبعاد النحوسة والشرور عنهم یجب أن یقضوا هذا الیوم فی خارج المنزل حتى ینتقل شؤم هذا الیوم إلى الطبیعة. وفی هذا الیوم یعید الناس الأوانی التی زرعوا فیها الخضرة والتی أعدوها من قبل أسابیع ووضعوها طوال أیام على موائد الهفت سین، یعیدونها إلى الطبیعة فیودعونها الحدائق أو المیاه الجاریة. ویستهلكون فی هذا الیوم الأطعمة المتبقیة عن النوروز، ویلعبون ألعاباً جماعیة. قلّ ما یبقى شخص فی البیت فی یوم الثالث عشر من فروردین (سیزده بدر). ومنذ الساعات الأولى للیوم تكتظ الشوارع بالمارة والسیارات وتمتلئ المتنزهات بملایین الرجال والنساء والشباب والشیوخ والأطفال. تتجمع العوائل فی هذا الیوم بكل صمیمیة حول بعضها ویتحدث أفرادها بشتى الشؤون. الناس الذین یسعون ویكدون على مرّ العام للحصول على معاشهم ویعیشون فیما بینهم علاقات باردة جافة، یطرأ على سلوكهم فی هذا الیوم تغییر ملحوظ وتغمرهم حالة من الفرح والمودّة، وكأنّ هذا الیوم «المشؤوم» هو أفضل وأسعد أیام السنة. ومع أن البعض یعتبرونه مشؤوماً لكن كل شیء وكل الأفراد یكتسون فیه ألوان البهجة والسرور.

آن دانه را برای كاشت آن سال به‌كار می‌بردند وگمان داشتند اگر روزهای نوروزی به اندوه بگذرد همه سال به اندوه خواهد گذشت.

هل «سیزده بدر» نحس أم مبارك؟

یذهب البعض إلى أن یوم الثالث عشر من كل شهر من أشهر السنة الإیرانیة القدیمة یرتبط بملاك تیر (فرشته تیر) أو تیشتر الذی كان مطر النجوم، وهو یوم مبارك ومیمون جداً. حسب معتقدات الإیرانیین فی الماضی القدیم لم یكن یوم سیزده بدر مشؤوماً بأیّ حال من الأحوال. وفی جدول سعد الأیام ونحسها ورد أن یوم الثالث عشر یوم مبارك.

یعتقد الناس فی إیران القدیمة بخصوص هذا الیوم أن جمشید شاه (مؤسس النوروز) كان یخرج یوم الثالث عشر من فروردین (سیزده بدر) إلى الطبیعة الخضراء الممرعة وینصب له هناك خیاماً ومعسكراً ویمنح الهدایا. وقد فعل ذلك لعدة سنین متتابعة مما جعل هذه الممارسة تقلیداً وعرفاً فی بلاد إیران. وهناك تحلیل آخر یقول إن الإیرانیین بعد إثنی عشر یوماً من الفرح والاحتفال الذی یعید إلى الذهن أشهر السنة الإثنی عشر، یخرجون فی یوم الثالث عشر وهو یوم مبارك وسعید إلى الحدائق والبادیة ویفرحون، وینهون بذلك أیام احتفالات النوروز.

وثمة رأی آخر یقول إن اعتقاد الزردشتیین بأن عمر العالم یمتد لإثنی عشر ألف سنة هو اعتقاد مستلهم من تأثیر النجوم فی بلاد ما بین النهرین، حیث كانوا یعتقدون أن كل واحد من النجوم الأثنی عشر الذی یحكم أحد الأبراج الإثنی عشر، سیحكم العالم ألف سنة. وهكذا فإن عمر العالم هو إثنی عشر ألف سنة وفی نهایة الإثنی عشر ألف سنة سوف تضطرب السماء والأرض وتصطدمان. وعلیه فإن أصل الاعتقاد بإثنی عشر ألف سنة وإثنی عشر شهراً مقتبس من المعتقدات البابلیة. وبعد الإثنی عشر ألف سنة سیعود الاضطراب الأول، وبذلك فإن احتفالات الإثنی عشر یوماً فی فروردین من بدایة العام له صلة بالسنة المتكوّنة من إثنی عشر شهراً وبالعالم المتكوّن من إثنی عشر ألف سنة. وما یحدث للإنسان فی هذه الأیام الإثنی عشر كانوا یعتبرونه خلاصة لمصیر الإنسان طوال السنة. كانوا یبذرون أنواع البذور قبل حلول النوروز، وأیة بذرة تنبت وتنمو أفضل وأكثر من غیرها خلال هذه الأیام الإثنی عشر، كانوا یختارونها للزراعة على طول السنة، وكانوا یعتقدون أن أیام النوروز إذا مرت بحزن ستمر السنة كلها حزینة سیئة.

عقد الخضرة فی یوم الثالث عشر من فروردین (سیزده بدر)

من الأعمال التی یقوم بها الناس فی یوم الثالث عشر من فروردین (سیزده بدر) عقد الخضرة التی عادة ما تكون مساحة صغیرة من الحشائش مزروعة فی صحن دائری. یقولون حول سابقة هذا التقلید إنه یعود إلى أبناء كیومرث، وهم أبناء أول زوج، أو أول أب وأم (مشیه ومشیانه). یعتقد الزردشتیون أن هذین عندما تزوجا عقدا غصنین «مورد» وأسسا لزواجهما، وصار هذا التقلید ساریاً منذ ذلك الحین فما بعد. ولهذا السبب لا یزال هناك إلى الیوم تفاؤل ومعتقد بأن عقد الخضرة للبنات اللواتی هنّ على أعتاب الزواج یمثل طالعاً حسناً لزواجهن وعیشهن حیاة زوجیة سعیدة.

تسجیل نوروز عالمیاً فی منظمة الیونسكو

تم تسجیل النوروز عالمیاً فی التراث العالمی غیر الملموس باعتباره أهم أعیاد واحتفالات الإیرانیین القدیمة، وذلك بتاریخ 30 أیلول 2009 م بعد سنین من التقدم بطلب هذا التسجیل.

وحسب تقریر وكالة مهر للأنباء فإن تسجیل النوروز عالمیاً فی منظمة الیونسكو حصل فی حین أن منظمة التراث الثقافی والسیاحة فی إیران قدّمت قبل أربعة أعوام أی فی سنة 2005 م كل الوثائق والمستندات اللازمة للجهات المختصة من أجل تسجیل هذا الحدث التقلیدی القدیم المهم. وحسب التقاریر فإن ملف تسجیل النوروز فی التراث العالمی غیر الملموس كان طلباً مشتركاً من عدة بلدان أبرزها إیران وباكستان وآذربیجان وكازخستان والهند وتركیا.

ویحدث هذا فی حین أن مراسم النوروز تقام فضلاً عن هذه البلدان فی بلدان أخرى نظیر أفغانستان وطاجیكستان. ویعتقد خبراء التراث الثقافی والسیاحة بأن التأخّر لعدة سنوات فی تسجیل النوروز عالمیاً فی منظمة الیونسكو ضمن لائحة التراث غیر الملموس فی العالم یؤید ضرورة تغییر الضوابط فی هذه المؤسسة الثقافیة العالمیة. ویرى هؤلاء أن تسجیل النوروز عالمیاً یتیح إمكانیة إعادة التعرف علیه على مستوى العالم، ویمثل فرصة لإقامة هذه المراسم الوطنیة بأفضل شكل ممكن فی بلدان مختلفة ومنها إیران.

المصادر:

1 - أبو ریحان البیرونی، محمد بن أحمد، الآثار الباقیة، ترجمه للفارسیة أكبر دانا سرشت، طهران، دار أمیر كبیر للنشر، 1363 هـ ش، 1984 م.

2 - أوستا (الأبستاق)، یشت ها، المجلد الأول.

3 - إیمانی پور، سیروس، النوروز.. التاریخ والمراسم، عدد خاص بالنوروز، 1381 هـ ش، 2002 م .

4 - تقی زاده، التقویم فی إیران القدیمة، (مجموعة دراسات، المجلد العاشر)، الطبعة الثانیة بإشراف إیرج أفشار، دار شكوفان للنشر، 1357 هـ ش، 1978 م.

5 - دروویل، الرحلة، ترجمة جواد محبّی، دار گوتنبرگ للنشر، طهران، 1348 هـ ش، 1969 م، الفصل العشرون.

6 - روح الأمینی، المراسم والاحتفالات القدیمة فی إیران المعاصرة، طهران، دار آگاه للنشر، 1376 هـ ش، 1997 م.

7 - الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الطبری، ترجمه للفارسیة أبو القاسم پاینده، المجلد الأول، دار أساطیر للنشر، 1352 هـ ش، 1973 م.

8 - العلامة المجلسی، بحار الأنوار، المجلد الرابع عشر، مبحث النوروز.

9 - العینی، صدر الدین، المذكرات، ترجمة علی أكبر سعیدی سیرجانی، دار آگاه للنشر، طهران، 1362 هـ ش، 1983 م.

10 - كمپفر، ا، فی بلاط شاهنشاه إیران، ترجمة كیكاوس جهاندادی، دار نشر اتحاد الآثار الوطنیة، طهران، 1350 هـ ش، 1971 م.

11 - النیشابوری، عمر بن إبراهیم الخیام، النوروز نامه، تحقیق علی حصوری، دار طهوری للنشر، 1357 هـ ش، 1978 م.

جميع الحقوق محفوظة لموقع مؤسسة الدراسات الإيرانية 2016 م

العنوان: طهران، شارع الشيخ البهائي (الجنوبي)، شارع إيران شناسي، مدينة والفجر )

التصميم والتنفيذ: دائرة الحاسبات و تقنية المعلومات