بنیاد ایران شناسی-موسسة الدراسات الایرانیة

المراسم والتقاليد الشتوية في إیران

منذ عدة آلاف من السنین والإيرانيون يحيون ويحتفلون بليلة «يلدا» آخر ليالي الخريف وأطول ليالي السنة. هذه الليلة التي تسمى أيضاً ليلة «چلّه» ترافق الانقلاب الشتوي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ولهذا فإن طول النهارات والأيام من بعد هذه الليلة يأخذ بالطول شيئاً فشيئاً، بينما يميل طول الليالي إلى القصر كلما ابتعدت عنها. ليلة يلدا من جملة الاحتفالات الجميلة واللافتة من حيث التقاليد والدين والتاريخ والزمان والتنوع في أساليب إحيائها والاحتفال بها. على الرغم من أنه لا يوجد رأي حاسم بشأن بداية ودوافع واستمرار الكثير من الاحتفالات القديمة، لكن ما يشدد عليه الجميع هو أن الإيرانيين بسبب دقة تقويمهم وانطباقه الدقيق مع التقويم الطبيعي توصلوا إلى أن أقصر الأيام (النهارات) هو آخر يوم في الخريف أي يوم الثلاثين من آذر (21 كانون الأول) وأطول الليالي هي أول ليالي الشتاء أي الليلة الأولى من شهر دي (ليلة الثاني والعشرين من كانون الأول). ومن بعد أطول ليالي السنة مباشرة، أي مع ابتداء شهر دي الإيراني تبدأ الأيام بالطول والليالي بالقصر تدريجياً. تبقى الشمس في السماء خلال النهارات لفترة أطول ناشرة النور والدفء، ولهذا أطلقوا على أطول ليلة في السنة اسم ليلة «يلدا».

ليلة يلدا وجذورها


مفردة يلدا مفردة سريانية (سوريانية) تعني ولادة الشمس (مهر، ميترا) آلهة العهد وآلهة الصدق وهي آلهة إيرانية، ويسمّيها الرومان واليونانيون القدماء «ناتاليس اينويكتوس»، أي يوم «ولادة مهر التي لا تقهر». بقيت جذور يلدا في سائر الاحتفالات اليونانية، وأبرزها احتفال «ساتوران» أو «كيوان». طبقاً لبعض المعتقدات فقد ولد السيد المسيح في هذه الليلة. لكن الإيرانيين كانوا يعتقدون أن هذه الليلة هي ليلة ولادة آلهة مهر وميترا، ولذلك كانوا يحتفلون فيها ويرقصون ويشعلون النيران. ثم يمدّون مائدة ملوّنة تسمّى «ميزد» (Myazd). وكانت ميزد نذراً أو وليمة من الواجب أن يضعوا فيها الأشربة واللحم والخبز والحلوى والمكسّرات (أو لورك Lork على حد تعبير الزردشتيين). بالإضافة إلى ذلك فإن آلات وأدوات الدعاء والتبتل مثل المجمرة أو المشعل والمبخرة وقنينة العطور والبرسم (Barasm) وأنواع الفاكهة كانت توضع على هذه المائدة أيضاً.

الماضي التاريخي لليلة يلدا

حيث أن النجوم والشمس لها مقام الآلهة في المذهب الميترائي أو الميثرائي، إذن لا بدّ أن تقع ولادة مهر (الشمس) في حدث نجومي على طول السنة. في معابد المذهب الميترائي يعد يوم الخامس والعشرين من كانون الأول ديسمبر (الرابع من دي) يوم يحتفل فيه بمناسبة ولادة ميترا (الشمس) وتجلي النور الجديد. كانوا يعتبرون الخامس والعشرين من كانون الأول زمناً تزداد الأيام من بعده طولاً (الانقلاب الشتوي) وتبقى الشمس في السماء أكثر، إذن لا بد أن تكون ولادة ميترا في مثل هذا الوقت. سابقة ليلة يلدا أو كما تعرف اليوم بليلة چلّه تعود في إيران إلى عدة آلاف من السنين. الثلاثين من آذر أو الحادي والعشرون من كانون الأول هو أقصر نهار وأطول ليلة في السنة، ولكن بعد بدء شهر دي مباشرة تأخذ الأيام بالطول تدريجياً والليالي بالقصر. لذلك أطلقوا على هذه الليلة اسم ليلة يلدا، أي ولادة الشمس التي لا تقهر وهي آلهة مهر.

ورد في البرهان القاطع في شرح مفردة يلدا: «يلدا كلمة سريانية بمعنى الولادة في العربية وهي أول ليالي الشتاء وآخر ليالي الخريف (أول الجدي وآخر القوس) وهي أطول ليلة في كل السنة، أو قريباً من هذه الليلة، وفيها تتحول الشمس إلى برج الجدي، ويقال إنها ليلة جدّ مشؤومة وغير مباركة، وقال البعض إن ليلة يلدا هي ليلة الحادي عشر من الجدي».

رأي أبي ريحان البيروني

يقول البيروني إن اليوم الأول بعد آخر ليلة من شهر دي الذي يسمونه أيضاً شهر خور أو خورماه، هو ما يسمّى خرم روز، أي اليوم المبارك الذي يخرج فيه النور من حالة النقصان إلى حالة الزيادة، وتزداد معه قدرة البشر، وتؤول الشياطين إلى الفناء. لا يذكر البيروني اسم ليلة يلدا لكنه يكتب أن الصباح الذي يأتي بعد ليلة يلدا يقام فيه احتفال خاص يجلس فيه الملوك الإيرانيون بثياب بيضاء في الصحراء على بسط بيضاء، ويسمحون للناس كلهم من وضيع وشريف أن يتحدثوا معهم من دون تشريفات أو ممانعة. في هذا اليوم، على حد تعبير البيروني، كان الملوك يجالسون المزارعين والفلاحين على مائدة واحدة ويعتبرون أنفسهم إخواناً لهم.

يلدا عند الشعوب والأديان الأخرى

في مصر القديمة أيضاً كان المصريون كما هم الإيرانيون يقيمون احتفال فصل البذار، حيث كانوا يستلهمون هذا الاحتفال الإيراني ليزينوا بيوتهم وينسوا الحروب والعنف في هذا اليوم ويجتمعوا كلهم إلى جوار بعضهم من أغنياء وفقراء والعبيد. من النقاط اللافتة في هذه المراسم أن الأبناء كانوا يتولون إدارة العائلة في هذا اليوم ويضيئون الشموع إلى الصباح من أجل هروب الظلام والحلكة.

ولليهود أيضاً مراسم تشبه في قليل أو كثير مراسم ليلة چله، فهم يقيمون احتفالاً يسمّى «يلانوت» أو احتفال الشجرة. ويتضرّعون ويبتهلون على ضوء الشموع.

والآثوريون أيضاً يحيون ليلة يلدا ويحتفلون بالمكسرات والكرزات الحلالة للمشاكل (مشكل گشا) ويبقون ساهرين إلى ساعة متأخرة من الليل، بل إن بعضهم يتفأل بديوان الشاعر الإيراني الحكيم حافظ الشيرازي كما يفعل الإيرانيون.

في جنوب روسيا لا تزال تقام مراسم واحتفالات شبيهة بليلة چله، يخبزون فيها الخبز ويصنعون الحلوى المحلية ذات الأشكال الشبيهة بالحيوانات، ويلعبون الألعاب المحلية، ويمثلون تمثيليات تعبر عن أعمال البذار ونثر القمح في باحة الدار، ويغنون الأغاني ويرقصون ويقدمون القرابين من حيوانات. وبهذا يتسنى القول إن مراسم ليلة يلدا أو چله شائعة في ثقافات الشعوب والأديان الأخرى بقليل من الفوارق.

احتفالات يلدا ومراسيمها في إيران اليوم

تقام احتفالات ليلة يلدا في إيران اليوم باجتماع أفراد العائلة والأقارب وسهرهم إلى جوار بعضهم. ومن التقاليد الدارجة في هذه الليلة التفؤل بديوان حافظ الشيرازي. كما يعمد أفراد العائلة إلى انتقاء جوزة من بين الجوز وفتحها فيتفألوا للمستقبل من خلال امتلاء الجوزة المنتقاة أو فراغها. تذهب بعض البحوث إلى أن عمر احتفالات ليلة يلدا يرتقي إلى سبعة آلاف سنة، بمعنى أن أجدادنا توصلوا إلى علم التقويم قبل سبعة آلاف سنة واكتشفوا أن أول ليالي الشتاء هي أطول ليلة في السنة، لذلك كانوا يحتفلون في هذه الليلة منذ القدم. وتوضع على مائدة ليلة يلدا في مناطق مختلفة من إيران وحسب المنطقة الجغرافية وأعرافها وتقاليدها، توضع أنواع مختلفة من المكسرات والكرزات والأطعمة، لكن فاكهة الرقي أو البطيخ الأحمر هي الفاكهة الوحيدة التي يضعها جميع الإيرانيين وكل عوائلهم على مائدة ليلة يلدا كتقليد دارج، ذلك أن عدداً كبيراً من الناس يعتقدون أنه إذا تم تناول مقدار ما من البطيخ الأحمر في ليلة يلدا فإن البرد والأمراض سوف لن تغمرهم طوال الشتاء الذي يستقبلونه، ولن يصيبهم الظمأ في حرّ الصيف القادم. ومن التقاليد الدارجة بكثرة في ليلة يلدا وضع الرمان على المائدة كفاكهة ترمز للفرح والنماء. ومن المكسرات والكرزات التي يطرحها الناس على موائدهم في هذه الليلة يمكن الإشارة إلى الفستق والجوز واللوز والبندق، كما تطرح الفاكهة المجففة في بعض مناطق إيران كمكسرات وكرزات في ليلة يلدا، ولكل هذا أبعاد رمزية تشير إلى البركة والصحة والخير والوفرة والسرور.


احتفالات يلدا في بعض محافظات إيران

كما مر بنا فإن يلدا مراسم وطنية قديمة شاعت وتشيع بكثرة في كل أنحاء إيران الإسلامية، وهي حالة مشتركة في كل أماكن إيران تقريباً. ولكن بسبب سعة إيران وشياع بعض الثقافات الشقية (الفرعية) في هذه الأرض الكبيرة قد نصادف أحياناً أعرافاً وتقاليد تختص بمنطقة معينة دون غيرها، وسوف نشير فيما يلي إلى بعض هذه التقاليد الخاصة بمناطق معينة ولا توجد في مناطق أخرى.

محافظة آذربايجان الشرقية (شمال غرب البلاد)

وهي من الأقاليم الخصبة في إيران ولها أعرافها وتقاليدها الخاصة في إحياء هذه الليلة. معظم أهالي آذربايجان الشرقية يأكلون في ليلة يلدا «چيلله قارپيزي» أي رقي الچله، ويعتقدون أن أكل الرقي سوف يعصمهم من الإصابة بالبرد في الشتاء القادم بحيث لا يشعرون ببرد الشتاء ولا يؤثر هذا البرد فيهم.

في بعض قرى منطقة هشترود وچاراويماق، يجتمع الأقارب في بيت أحد شخصياتهم الكبيرة السن ليسهروا ليلتهم هذه عنده، وفي مناطق أخرى يقسمون ليالي چله بين العوائل من الأقارب بحيث تبدأ المراسم في القرى القليلة العوائل من أول بيت في القرية وتستمر على البيوت الأخرى، وفي القرى ذات العدد الأكبر من العوائل يقام هذا التقليد على شكل محلي أو زقاقاً بعد زقاق. ومن الدارج أن يقدموا للضيوف في ليلة چله الرقي والكرزات والرمان، فالرقي يحمي من برد الشتاء، والكرزات أي الزبيب والجوز يؤدي إلى حرارة المزاج حيال البرد. وحين تمضي الچله الصغرى ينتهي شهر بهمن. هناك قول شائع بالكناية بين أهالي تلك المنطقة يقولون فيه باللغة التركية الآذرية: «چاريخ پاتاواسين باغلاوي» أي بنهاية ليلتين من ليالي چله في البرد يحمل البرد أحذيته ومتاعه ويودع إلى العام القادم.

وفي تبريز (مركز محافظة آذربايجان الشرقية) يعزف «العاشيقون» على آلاتهم الموسيقية في موسم يلدا. والعاشيقون هم مغنون ومطربون محليون في تلك المناطق يستقون أشعارهم وموسيقاهم من الموسيقى الشعبية هناك. وهم عند عزفهم يحكون القصص وينشدون الشعر بداهة ويعزفون. بالإضافة إلى ذلك فإن أهالي تبريز يرمون قشور الفاكهة والإزبال في المياه الجارية ليلة يلدا، ويعتبرون سلوكهم هذا باعثاً على حسن الطالع والسعادة. وبعد تناول الكرزات والفاكهة كان بعض تجار العائلة في السابق يروون حكايات وقصصاً حول الملاحم الوطنية في تلك الأقاليم منها «أصلي وكرم» و«باياتي» والأمثال العامية، ويبقون يتسامرون ويتحدثون إلى ساعة متأخرة من الليل. ولا تقوم النساء في كثير من الأحيان بالتنظيف الكلي للبيت «خانه تكاني» إلى نهاية الچله الصغرى، فهن يعتقدن أنه إذا قام شخص بتنظيف كلي جذري للبيت (خانه تكاني) فإن الچله سوف تلعنه، وإذا لعنت الچله شخصاً أصابته النكبات والتعاسة.

محافظة آذربايجان الغربية

من أقدم المراسم والتقاليد في منطقة آذربايجان الغربية في ليلة چله إقامة احتفال «خدر نبي» و«قورتولوش بايرامي» (عيد النجاة) الذي له جذوره في معتقدات الإيرانيين القدماء، وهي معتقدات زالت إلى حد ما لكن بقايا ذكرياتها لا تزال في أذهان بعض الجدود والجدات. في عيد خدر نبي يجمع الشبابُ المقبلون على الزواج في كل قرية حبوباً مثل الحمص والقمح والذرة وحبّ الرقي وحبّ البطيخ من منازل أهالي القرية، وبعد طبخها وتجفيفها يطرقونها بالملح في هاون فتسمّى في لغتهم المحلية «قووت». ويضع كل واحد من الشباب بمقدار سبعة أظافر من هذا القووت تحت لسانه وينام ويرى أحلاماً يفسرها لهم الكبار في العائلة. وتطبخ البنات المقبلات على الزواج «الآش» من الحبوب المجموعة، ويوزعنه على الجيران. وهو في الواقع نوع من النذر يرجى به زواج سعيد لهن.

في مدن نقده وپيرانشهر وأشنويه ومهاباد وهي من المناطق الكردية في محافظة آذربايجان الغربية ينشد المنشدون أشعاراً كردية ويتناول الشباب الفاكهة والكرزات والمكسرات ويشغلون أنفسهم بألعاب «جوراب بازي» و«فنجان بازي». وهم يعتقدون أن ليلة يلدا لن تكون لطيفة من دون تساقط الثلوج والأمطار فيها، وهطول الثلج والمطر فيها علامة خير وبركة ستعمّ العام المقبل.

يعتقد أهالي قضاء تكاب أنهم إذا أكلوا الرقي في هذه الليلة فإن حرّ الصيف سوف لن يؤذيهم. في هذه الليلة يجب أن لا يخرج شخص من بيته أو يسافر لأنه في هذه الحال سيبقى في سفره هذا إلى العام المقبل. وهم ينثرون القمح المشوي في هذه الليلة على سطوح المنازل، ويعتقدون أن عملهم هذا سيجعل السنة القادمة سنة مباركة عليهم. تخضّب النساء والبنات في هذه الليلة أيديهن بالحناء ويسهرن الليل. والطعام الذي يأكلونه في هذه الليلة هو «آش كشك» الذي يحتوي قدراً كبيراً من الحمص والخضار، ويسمّى في لغتهم المحلية كاچي «KAĈI». الشباب الذين لهم خطيبات يصعدون على سطوح بيوت خطيباتهم ويزينون تماثيل الإبل الصغيرة التي صنعوها بأقمشة ثمينة ويربطونها بخيوط ويدلونها من مدخنة السطح إلى داخل البيت. ويضع أهل ذلك البيت العارفون بهذا التقليد بعض الأطعمة في جراب الإبل ويقولون: «چك يوخاري، آلاه مطلبوي وئرسين» بمعنى: اسحب إلى الأعلى أجاب الله طلبك. ثم يذهبون إلى سطح آخر ويدلون إبلهم من نوافذ السقوف ويذكرون بعض الأمثال من باب طلاوة اللسان منها: «مشك كره دار، مودار درآمد» أي تبين أن كيس الزبدة زائف.

وفي خوي (إحدي مدن شمال غرب إيران) يرى الناس من غني وفقير أن من واجبهم أن يهدوا الحلوى المعروفة بشعر البنات أو غزل البنات (پشمك)، ويبدو أنهم يفعلون ذلك من باب شبه حلوى شعر البنات بالثلوج. أما المأكولات التي يجب أن تكون في مائدة ليلة چله فهي: صحن من شعر البنات، وصحن من الحلوى، ورقية واحدة، وبطيخة واحدة، ويطبخون الرز لتلك الليلة، والمتمكّنون منهم يطبخون مع الرز الدجاج أو مرقة السبزي. وبعد تناول العشاء يبدأ ربّ العائلة بتقسيم المأكولات. ويبعث الشباب الذين لهم خطيبات لخطيباتهم مائدة أو صينية (خوانچه) فيها إثنا عشر صحناً مليئة بالمأكولات. والصحون الإثنا عشر هي: صحن فيه حلوى شعر بنات، وصحن فيه ميلاخ، وصحن فيه عنب نصف مجفف من الدارج إعداده في آذربايجان، وصحن فيه رقية، وصحن فيه بطيخة، وصحن فيه رمان، وفي سائر الصحون توضع فيها خلع وملابس حسب المقدرة المالية للعوائل. وفي الوسط توضع عادة بقچه فيها ثوب العروس وجواهرها، وعلى جانبي البقچه توضع رقية وبطيخة مغطاة بشراشف، ويعطون الصينية لحمّال يحملها إلى بيت العروس. يضع والد العروس ووالدتها الصينية بمنتهى الاحترام في غرفة الاستقبال ويعطون الحمال مكافئة مالية. ثم تخبر والدة العروس صديقاتها والأقارب ليحضروا ويشاهدوا الصينية (خوانچه). فيأتي الأصدقاء والأقارب ويرونها ويفرحون ويأكون مما فيها من المأكولات.

البنت المتزوجة تواً يهدي والداها في ليلة چله صينية يبعثونها إلى بيتها على نفس هذا الترتيب، ويعتقدون أنهم بهذا يحلون فم ليلة چله إلى أن ينقضي الشتاء على خير. في بعض الصينيات التي تبعث لبيوت العرائس توجد ثلاثة أنواع من الحلوى هي حلوى السمسم، وحلوى الجوز، وحلوى الجزر.

في سيه چشمه التابعة لماكو يجتمع البنون والبنات الجيران في بيت واحد ويتفألون ويقضون ليلة چله بهذه الطريقة. وتشارك العرائس المتزوجات حديثاً والعجائز في هذه المراسم. وتقام هذه المراسم التي تسمّى «چله بدر» على نحوين، أحدهما فأل چله بدر حيث يغسل صاحب الدار لضيوفه الهديك «القمح» ويطبخه ثم يخلطه بالملح والجوز. والشكل الثاني يسمى قاويرقا ويعدون فيه القمح المشوي على الساج. بعد تناول العشاء يبدأون لعبة «شب چره بازي» الخاصة بليلة چله، وهي على هذا النحو: يختارون إحدى البنات التي تكون محبوبة أكثر، حيث يجب أن تذهب هذه الفتاة لجلب الماء من النهر أو القناة أو الينبوع لوحدها، ولا تتحدث مع أحد طوال الطريق ولا تلتفت إلى الوراء ولا يحق لها كذلك أن تعطس أو تسعل ولا تضع وعاء الماء على الأرض وسط الطريق، وإذا قامت بأيّ واحد من هذه الأعمال خطأ فإن نيتها تبطل ويجب عليها أن تخرج من البيت مرة ثانية وتأتي بالماء بكل هذه الشروط والتشريفات. ثم يسكبون الماء الذي جاءت به في وعاء آخر ويلقون فيه إبرتين ربطوا بهما قطناً، إحدى الإبرتين وهي الأكبر باسم فتى والثانية وهي الأصغر وقطنها أقل باسم فتاة. تبقى الإبرتان طافيتين على سطح الماء وإذا التقتا وهما تسبحان على سطح الماء ففي ذلك علامة على أن هذا الفتى وهذه الفتاة سوف يتزوجان. أما إذا لم تلتقي الإبرتان فيقولون إن هذين الشابين ليسا من نصيب بعضهما. والناس هناك يقومون بهذه المراسم التفألية في الليلة الأولى من الچله الكبيرة أو ليلة يلدا، وكذلك في الليلة الأولى من الچله الصغيرة.

محافظة أردبيل

من الدارج في هذه المحافظة (شمال غرب إيران) أن يجتمع الأقارب حتى الأبعدون منهم ويتسامرون ويتحدثون في هذه الليلة إلى منتصف الليل. الرقّي والرمان والحبّ والرز والسمك من الأطعمة التي تعد في هذه الليلة بمحافظة أردبيل.

في مشكين شهر يجتمع الناس حول «الكرسي» وهي وسيلة تقليدية للتدفئة، ويتحدثون مع بعضهم بحكايات وأقاصيص ممتعة. ويتناول من يستطيعون منهم العنب والتفاح والكمثرى والبطيخ والرقي.

محافظة إصفهان

كان في إصفهان (وسط إيران) منذ القدم تقاليد ومراسم لا تزال مشهودة بدرجات متفاوتة إلى هذا اليوم. يعتقد الإصفهانيون القدماء أن الشتاء ينقسم إلى قسمين هما «چله الكبرى» و«چله الصغرى»، وچله الكبرى من الأول من شهر دي إلى العاشر من شهر بهمن (من الثاني والعشرين من كانون الأول إلى الثلاثين من شهر كانون الثاني) وچله الصغرى من العاشر من شهر بهمن إلى الثلاثين من شهر بهمن (من الثلاثين من شهر كانون الثاني إلى التاسع عشر من شباط). طبعاً تنقسم مراسم ليلة چله في إصفهان إلى اسمين هما «چله زري» (الأنثى) و«عمو چله» (الذكر)، لأنهم كانوا منذ القدم وإلى الآن يقسمون كل الموجودات والأشياء إلى ذكر وأنثى. يقيم أهالي إصفهان مراسم ليلة چله بشكل عائلي لليلتين، ويؤدون فيها مراسم خاصة بهذه الليلة ويمدون فيها مائدة اسمها «مائدة ليلة چله». الرقي وهي فاكهة كروية ذات قشرة خضراء وباطن أحمر ترمز إلى الشمس وتعتبر أهم فاكهة توضع على مائدة چله بل هي من رموز ليلة يلدا. ومن التقاليد القديمة في إصفهان نشر كل الملابس والأفرشة في الهواء الطلق، وخصوصاً مقابل الشمس، بهدف الترحيب بـ «عمو چله» و«چله زري». ومن الطقوس الأخرى الخاصة بليلة چله أن يهدي العريس هدية أو صينية أطعمة (خوانچه) لبيت عروسه.

مكرزات ليلة يلدا في إصفهان: الزبيب، والجوز، واللوز، والقيسي، وبرگه زردآلو (المشمش المجفف)، وبرگه گلابي (الكمثرى المجففة)، وحلوى جوزقند، والتين المجفف، والتمر.

فواكه ليلة يلدا في إصفهان: الرمان والرقي والتفاح والكمثرى الأنباري (كمثرى سيبريا).

أشربة ليلة يلدا في إصفهان: الشاي والشربت وإذا كانت هناك ثلوج فخليط الثلج وعصارة العنب.

أطعمة ليلة يلدا في إصفهان: إذا كان مقدوراً فالرز والسمك، وإلّا فأحد الأطعمة المحلية مثل كوفته برنجي، وگداخته (تتكون من نوع من التمر اسمه تمر خارك «تمر غير ناضج»، وجوز الهند) وهو طعام مفيد جداً بسبب وجود هاتين المادتين الغذائيتين فيه.

محافظة بوشهر (جنوب إيران)

يحيون هذه الليلة كباقي مناطق إيران بالذهاب إلى بيوت أكابر العائلة. ولفاكهة الرقي (أو البطيخ الأحمر) بين أهالي بوشهر معنى مهم جداً في ليلة يلدا.

محافظة خراسان (شمال شرق إيران)

تعبير ليلة يلدا غائب تماماً في تلك النواحي، فلا يقال إلّا ليلة «چله نشيني» وتحيى هذه الليلة بمراسم خاصة. يعتقد أهالي خراسان أن كل من يأكل في ليلة چله الجزر والكمثرى والرمان والزيتون الأخضر سيبقى طوال السنة بمأمن من أذى الحيوانات وخصوصاً لذع العقارب. ويحظى الرقّي بأهمية أكبر من الفاكهة الأخرى في ليلة چله.

محافظة طهران:

من المعتقدات القديمة لأهالي طهران والتي تبرز أكثر في ليلة يلدا الاعتقاد بانفتاح الحظ، إلى درجة أنه يقال إن مهنة الندافة تكتسب رونقاً وازدهاراً كبيراً قبل أيام من هذه الليلة. تروى حكاية طريفة في هذا الباب هي أن العوائل التي لها بنات على أعتاب الزواج فضلاً عن إعطاء أفرشتها ووسائدها للنداف فإنها ترنو إلى هدف معين. وليس ذلك الهدف سوى الاعتقاد بتقليد انفتاح الحظ. يروى أن النداف إذا ترك العمل لأيّ سبب من الأسباب ووجد والدا البنت التي على مشارف الزواج قوس الندافة لوحده من دون صاحبه النداف، كانوا يدفعون ابنتهم لتعبر فوراً من خلال قوس الندافة، ويعتقدون أن حظ ابنتهم سوف ينفتح قريباً كما هو وتر قوس الندافة. من تسليات أهالي طهران في الزمن القديم الحضور في المقاهي والاستماع لأوراد النقالين والرواة والتفرج على الشعوذات وخفة اليد. وآخرون يتزاورون من حين لحين ويتسامرون إلى ساعة من الليل. لكن هذه الحكايات تكتسب في ليلة يلدا مديات أوسع فتبقى على سبيل المثال المقاهي المليئة بالزبائن مفتوحة حتى الصباح بكل ما فيها من أصوات قرقرة نراجيل وسماورات (آلات خاصة بإعداد الماء الساخن والشاي). في ليلة يلدا يفضّل غالبية أهالي طهران القديمة أن يتناولوا عشاءهم في إحدى هذه المقاهي، ثم يروون القصص بعضهم لبعض أو يستمعون كلهم لأقاصيص الشاهنامة التي يرويها رواة مختصون يسمّى الواحد منهم نقالاً.

محافظة سيستان وبلوشستان

أهالي محافظة سيستان وبلوشستان (مركزها مدينة زاهدان في جنوب شرق البلاد) أيضاً يجتمعون في ليلة يلدا طبقاً لتقليد قديم في بيت أحد الشخصيات الكبيرة من قومهم ويستمعون للقصص التي يرويها لهم الجدود والجدات. إقامة الاحتفالات واللقاءات العائلية بمزيج من المعتقدات الأسطورية يوفر لهم ليلة مليئة بالخواطر للعوائل في زاهدان وخصوصاً الأطفال والناشئة منهم. ومن التسليات الدارجة في ليلة يلدا في تلك المناطق سرد الأقاصيص والحكايات والتفؤل بديوان حافظ الشيرازي، والألعاب الجماعية مثل «گل يا پوچ» وسرد النوادر والطرائف والخواطر.

محافظة فارس

مائدة أهالي محافظة فارس (جنوب البلاد) منوّعة ملوّنة كما هي في ليلة عيد النوروز. وتلاحظ فيها الحمضيات والرقي والتمر وحلوى رنگينك. لكن الجزء الذي لا يتجزأ من مراسم ليلة چله عند أهالي فارس هو القراءة في ديوان حافظ الشيرازي والتفؤل به. وهم يضعون على طرف موائدهم في هذه الليلة قليلاً من الحرمل في أناء جميل وينثرون منه على مجمرة لينتشر أريجه في البيت. الطعام الخاص بليلة يلدا عند أهالي فارس هو الرز المطبوخ بالجزر. يعتقد أهالي شيراز (مركز محافظة فارس) أن الناس إما ذوو مزاج حار أو ذوو مزاج بارد، وعلى أصحاب المزاج الحار في ليلة يلدا أن يأكلوا مأكولات باردة مثل الرقي ليتعادل مزاجهم ويميل إلى البرودة، أما ذوو المزاج البارد فيجب أن يأكلوا في هذه الليلة أنواع المأكولات الحارة مثل التمر وحلوى رنگينك والتين وحلاوة الشعرية ليتعادل مزاجهم هم أيضاً.

محافظة قزوين

يحتلف أهالي قزوين (غرب العاصمة طهران) في ليلة يلدا بالذهاب إلى بيوت أكابر العائلة. يعتقد المسنون أن الأكل من الفواكه المجففة والحمراء المعروفة بـ «شب چهره» أو «شب چره»، إلى جانب أطعمة أخرى حالة تبعث على التفاؤل وحسن الطالع وتبشر بشتاء زاخر بالخيرات والبركات. في بعض الأحيان عندما تتأخر الجدات في جلب المكرزات والأطعمة ينشد الأطفال قائلين «هر كه نيارد شب چره، انبارش موش بچره»، أي: «كل من لا يأتي بشب چره، ترتع الفأر في مخازنه»، ما يدعو الجدات إلى التعجيل في إحضار الشب چره. في هذه الليلة يتناول معظم أهالي قزوين الرز المطبوخ بالخضار مع السمك، ثم الرقي والرمان وأنواع المكرزات مثل الزبيب والجوز والحب ومكرزات مخلوطة تسمى «مشكل گا» أي حلّال المشاكل، والتين المجفف، في جلسات عائلية قد تمتد إلى الصباح. تعتقد الجدات والنساء المسنات في قزوين أنه لو بكت «ننه سرما» في هذه الليلة فسوف تهطل الأمطار، وإذا خرج القطن من اللحاف فستهطل الثلوج، وإذا انفرط عقد اللؤلؤ فسيهطل الحالوب. من الأعراف والتقاليد الأخرى في هذه الليلة في محافظة قزوين إرسال العريس مائدة «خوانچه چله» كهدية شتوية إلى بيت العروس. وتحتوي هذه المائدة على أقمشة وجواهر وسكّر وعدة أنواع من الفاكهة مثل الكمثرى والرقي والبطيخ والتفاح مزينة بطريقة خاصة وجميلة.

محافظة کرمان

تقترن مراسم لیلة یلدا بین أهالي محافظة کرمان (جنوب شرق البلاد) بأسطورة قارون الذي یحضر قطع الخشب للعوائل الفقیرة مرتدیاً ثیاب الحطابین. و تنقلب هذه القطع الخشبیة إلى قطع من ذهب تغمر تلك العوائل بالثراء و البرکة. إنها أسطورة إیرانیة قدیمة جداً تختص بلیلة یلدا في منطقة کرمان.

محافظة كردستان

في المناطق الكردية مثل سنندج (غرب إيران) يستعد الناس للشتاء منذ ثلاثة أشهر بتعليق ونشر العنب واللوز على أغصان من الخشب أو حبال يمدونها على أسقف الغرف الباردة ليتناولوها في ليلة يلدا مع التفاح والكمثري. وتضع أكثر العوائل في سنندج مقداراً من البطيخ في الخل ليأكلونه مخللاً في ليلة يلدا بدل الرقي، ويعتقدون أن هذا الفعل لا يعدم الحكمة. والعوائل التي لها بنت متزوجة تواً تحمل إلى بيت ابنتها مائدة (خوانچه) مليئة بالفاكهة والحلوى والمكرزات مع بطيخ مخلل. أما إذا كانت البنت مخطوبة فتحمل لها عائلة الخطيب مثل هذه المائدة في ليلة يلدا.

محافظة كرمانشاه

وهي من المناطق القديمة العريقة في إيران وتتمتع ليلة يلدا فيها بمكانة مهمة بين الأهالي والناس وتحيى دائماً بمراسم جميلة عظيمة. طبقاً لتقليد قديم يبقى أهالي كرمانشاه ساهرين في هذه الليلة ويقضونها بقراءة الشعر وسرد الأقاصيص والحكايا والتفؤل بديوان الشاعر الكبير حافظ الشيرازي، وأكل المكرزات والتعاطف مع أمّ العالم في ولادتها للشمس. ويتناول الناس في تلك المناطق فاكهة ترمز للشمس مثل الرقي الأحمر والرمان الأحمر والتفاح الأحمر أو الليمون الأصفر، ويتبادلون حكايات وأقاصيص تراثية عن العشق الخالد بين شيرين وفرهاد، وعن ملاحم رستم وسهراب، وحكاية حسين كرد شبستري المعروفة، ويقرأون كذلك أشعاراً جميلة لشامي كرمانشاهي. وكان من الدارج قديماً أن يذهب أفراد العائلة والأقارب إلى بيت أكبر أفراد الأسرة والذي عادة ما يكون جداً أو جدة فينفضون هناك الثلوج عن ثيابهم ويندسون تحت «الكرسي» للتدفئة. وكان أفراد الأسرة يتناولون طعام العشاء على مائدة واحدة خاصة بهذه الليلة ومأكولاتها المتنوعة التي عادة ما تكون أنواع المكرزات و«راحت الحلقوم» و«مشكل گشا»، والحلوى المحلية وخصوصاً الخبز الحلو المعروف هناك مثل: نان پنجره اي، وكاك، ونان برنجي، وفواكه مثل الرمان والتفاح والرقي التي تحف موائد الكرمانشاهيين في ليلة يلدا. ومن الأعراف والتقاليد الجميلة التي يلتزم بها أهالي كرمانشاه في ليلة يلدا فتح ديوان حافظ الشيرازي والتفؤل به حيث يعتقدون أن أفكار هذا الشاعر والحكيم بمثابة دليل روحي يعينهم على حل مشكلاتهم الحياتية. وتتفأل كذلك البنات الشابات اللاتي هنّ على أعتاب الزواج من أجل فتح حظوظهن ورجاء الزواج في السنة القادمة.

محافظة گيلان

يعد أهالي گيلان (شمال البلاد) الرقي للاحتفال في ليلة يلدا بأي شكل من الأشكال. إنهم يعتقدون أن كل من يأكل الرقي في ليلة يلدا لن يشعر بالعطش خلال الصيف. يقرأ الناس في مدن وقرى شرق گيلان في ليلة يلدا عندما يقطعون الرقي بالسكين شعراً يقول: «امشب شب چله / خانم جير زير پله / چاقو بزنيم / هندوانه كله سر». ومن المأكولات الشائعة في هذه الليلة في گيلان الآوكونوس الذي يعد بطريقة خاصة. في الخريف يضعون الزعرور الجرماني الخام في كوز ويملؤون الكوز بالماء ويضيفون له قليلاً من الملح ويغلقون فوهة الكوز ويضعونه في مكان خارج أجواء الغرف الحارة. من الدارج في گيلان عند العوائل التي زوجت ولدها أو خطبت له أن يبعثوا طبقاً لعائلة العروس. إنه طبق يحتوي فواكه ومأكولات ومكرزات خاصة بليلة چله نضدت على الطبق الكبير بشكل جميل، وفي وسط الطبق سمكة كبيرة (عادة ما تكون من السمك الأبيض الذي يكثر في بحر الخزر شمال إيران) طازجة وخام بتزيينات من الخضار. ويعتقدون أن ذلك يبعث على الخير والبركة ووفرة الرزق للزوجين الجديدين وسلامة العروس الشابة وكثرة إنجابها.

محافظة لرستان

يأكل الناس في هذه المحافظة (غرب إيران) «گندم شيره» في ليلة چله، وگندم شيره هو قمح ينقعونه في الحليب ويمزجون معه الكركم والملح ثم يشوونه على الساج ويخلطونه بقطع صغيرة من اللوز والجوز والزبيب والسمسم والكمون الأسود.

محافظة مازندران

تقصد العوائل بيوت كبار السن من أقاربها فتجالسهم، ويتفألون بديوان حافظ الشيرازي،ويقرأون بعض صفحات الشاهنامه، ويأكلون المكرزات والفاكهة، وخصوصاً الرقي والرمان والزعرور، ويتسامرون ويتحدثون حول موضوعات شتى في جلسات قد تمتد حتى الصباح.

المحافظة المركزية

المحافظة المركزية في إيران بالنظر لتاريخها العريق زاخرة بالأعراف والتقاليد والمعتقدات الدينية والاجتماعية. كانت ليلة يلدا تقام في المحافظة المركزية منذ القدم لثلاث ليال متوالية بعناوين ليلة چله الكبرى، وليلة چله الوسطى، وليلة چله الصغرى. ويفترش الأصدقاء والأقارب فيها مائدة من العواطف والمحبة ويتحدثون عن أمور شتى. من المراسم الخاصة بليلة يلدا في المحافظة المركزية اللقاء بكبار السن في العائلة. في ليالي چله يجتمع أفراد العائلة والأقارب في محفل صميمي حول الكرسي الخشبي ويستمعون لأقاصيص الكبار. وتعد النساء والبنات القرويات عند غروب ليالي چله، وبحيوية وتوثب كبيرين، لوازم الطعام والمكرزات الخاصة بهذه الليلة، ويحسبن اللحظات لقضاء ساعات طيبة إلى جوار أفراد العائلة. كن يضعن في الصينيات النحاسية القديمة في الأجواء الدخانية للمطابخ القديمة أنواع الفواكه والمكرزات وخصوصاً الرقي والعنب والحب والحمص والزبيب والتمر. وبعد تناول طعام العشاء وقراءة دعاء الشكر عند المائدة يتحدث الجميع عن أفراحهم وهمومهم ونجاحاتهم ومعتقداتهم وآمالهم وما يقلقهم. ويقرأ الأكبر سناً في العائلة أشعار حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي والفردوسي، ويرون لباقي أفراد الأسرة حكايا وخواطر وذكريات عن إيران القديمة. ويلعب الكبار في ليلة يلدا مع الأطفال لعبة «پُر يا پوچ» واللصوص والمشاعرة. ومن المراسم الأخرى في ليلة چله عند أهالي المحافظة المركزية ذبح خروف خاص يسمّى «اتليك». يفصل القرويون هذا النوع من الخراف في فصل الصيف عن باقي خرافهم ويربّونه تربية جيدة ليكون قد سمن وكبر جيداً في فصل الشتاء. وبمجرد أن يحين الشتاء يذبحون هذه الخراف ويعدون منها طعاماً لذيذاً جداً لليالي چله. ويسمون هذا العشاء في التعبير المحلي «اتليك شامو». ومن الدارج أن تدعو كل عائلة جيرانها وأقاربها لهذه الضيافة. كانت هذه المراسيم جارية إلى ما قبل خمسين سنة في مدينة أراك (مركز المحافظة المركزية) وسائر مناطق المحافظة بشكل كبير، أما اليوم فنادراً ما تلاحظ مثل هذه التجليات.

محافظة همدان

يتفأل أهالي هذه المحافظة في هذه الليلة بفأل يسمونه «فال سوزن» أي فأل الإبرة، حيث تقرأ إمرأة كبيرة السن في هذه المراسم شعراً، وتقدم طفلة بعد انتهاء كل شعر على غرز إبرة في قماش لم يقطع ولم يمسّه الماء، ويعتبر الحضور الجالسون في كل أطراف الغرفة وحسب ترتيب جلوسهم، أشعار المرأة العجوز فألاً لهم. وتقام في سائر مدن هذه المحافظة مثل تويسركان وملاير مراسم شبيهة بهذه.

ضرورة تسجيل ليلة يلدا عالمياً

القرب الزمني بين إقامة hristmas أو احتفال ميلاد المسيح في الخامس والعشرين من كانون الأول واحتفال ليلة يلدا في الحادي والعشرين من كانون الأول، وتشابه التقاليد بين هذه المراسم الجميلة يدل على تعاطف وتقارب البشر على الأرض مهما كانت دياناتهم ومعتقداتهم. لذلك فإن تشخيص وتسجيل هذا الاحتفال العريق كتراث إنساني مشترك يمكنه أن يعرفه أكثر لكل شعوب العالم مضافاً إلى صيانة وحفظ القيم العالمية الكامنة في هذا الاحتفال ونقلها بصورة أفضل للأجيال الإنسانية القادمة.


ليلة يلدا في شعر الشعراء الإيرانيين:

كثيراً ما استخدم الشعراء الإيرانيون وخصوصاً القدماء منهم، ليلة يلدا كرمز أو مشبّه به في أبياتهم الشعرية، ولأغراض شتى سلبية أو إيجابية، من أشهرها تشبيه بعض الشعراء الحاذقين ليلة الهجر وفترة الفراق الطويلة بليلة يلدا وطولها. فيما يلي نماذج من أبيات كبار الشعراء الإيرانيين ورد فيها ذكر هذه الليلة:

حافظ الشيرازي: صحبة الحكام كظلمة ليلة يلدا، ابحث عن النور من الشمس على أمل أن تطلع.

سعدي الشيرازي: رياح الراحة لا تهبّ على القلب المبضع، والصبح الصادق لا يطلع ما لم تزل ليلة يلدا.

أوحدي: كأنّ ليلة هجرك أيها الحبيب ليلة يلدا، ثياب النوروز ولقاؤك كأنهما عيد لنا.

خاقاني: أنت روح لطيف والعالم جسم درن، أنت شمع وضاءة والعالم ليلة يلدا.

عنصري: إذا كانوا يخطفون الحلقة بالرمح فأنت برمح الخال تخطف ليلة يلدا من وجه الزنجي.

منوچهري: نور رأيه يجعل الليل الحالك نيراً كالنهار، وسواد عينه يجعل النهار الوضّاح ليلة يلدا.

مسعود سعد سلمان: شمس صباح ملكك جعلت نهار كل الأعداء ليلة يلدا.

ناصر خسرو: هو على الإثنين وأنت على الجمعة، أنت ليلة قدر وهو ليلة يلدا.

أمير معزي: كأن الربّ العادل خلق عطفك وحقدك من ليلة القدر وليلة يلدا.

سنائي غزنوي: سر في ركاب صاحب دولة إذا كنت تريد الرفعة والشهرة، فيلدا اشتهرت كل هذه الشهرة من خدمة عيسى.

سيف أفرنگي: نال كلامي سمعة عالية من كلامك، وربما نالت يلدا اسمها الطويل من اسم المسيح.

المصادر:

1 - شايسته رخ، إلهه، «التجليات التقليدية لليلة يلدا في ثقافة الشعب الإيراني، مع حكايات أسطورية وتقويم شتوي»، مركز أبحاث الإذاعة والتلفزيون، 1391 هـ ش، 2012 م.

2 - نورايي، أبو الفضل، «ليلة يلدا، التاريخ والفلسفة والتقاليد والمراسم في إيران والعالم»، فصلية صف العائلية، العدد 66 ، آذر 1392 هـ ش، خريف 2013 م، روح الأميني، محمود، «التقاليد والاحتفالات القديمة في إيران المعاصرة»، طهران، آگاه، 1376 هـ ش، 1997 م.

3 - سعادتي، فرزانه، أمير محرري «تأثير احتفالات مهر في ثقافة إيران والعالم»، فصلية الفقه وتاريخ الحضارة التخصصية، جامعة مشهد.

4 - البيروني، أبو ريحان، «الآثار الباقية»، ترجمه للفارسية أكبر دانا سرشت، طهران، ابن سينا، 1352 هـ ش، 1973 م.

5 - أحمدي، كيانمهر، «يلدا احتفال ولادة الشمس»، شهرية گردشگري.

6 - باقريان، نجمه، مراجعة لتقاليد ليلة يلدا، شهرية «پيام زن»، العدد 261 ، آذر 1392 هـ ش، خريف 2013 م.

7 - علامي، أحد، هشترود ودانشوران، بمقدمة الدكتور أمير شقاقي، تبريز، ستوده، 1390 هـ ش، 2011 م.

8 - أنجوي شيرازي، أبو القاسم، «الشتاء»، المجلد الثاني، منشورات أمير كبير، 1379 هـ ش، 2000 م.

9 - أفشار سيستاني، إيرج، «معرفة محافظة خراسان»، طهران، هيرمند، 1378 هـ ش، 1999 م.

10 - تورج پارسي، شاهين سپنتا، «احتفال يلدا في الثقافة الإيرانية»، نشرة داخلية، العدد 57 ، آذر ودي 1387 هـ ش، آخر 2008 وأول 2009 م.

11 - ديوان ناصر خسرو، طبعة طهران.

12 - حواشي الدكتور معين على البرهان القاطع، المجلد الرابع، طبعة زوار.

13 - هاشمي، علي، «ليلة ولادة الطبيعة»، شهرية گزارش، العدد 241 ، آذر 1391 م، كانون الأول 2012 م.

14 - www.irandeserts. Com .

جميع الحقوق محفوظة لموقع مؤسسة الدراسات الإيرانية 2016 م

العنوان: طهران، شارع الشيخ البهائي (الجنوبي)، شارع إيران شناسي، مدينة والفجر )

التصميم والتنفيذ: دائرة الحاسبات و تقنية المعلومات